جمهورية السودان
وزارة التعليم العالي
والبحث العلمي
كلية الدراسات العليا
دراسة
مقدمة
لنيل
درجة الدكتوراة
إعداد
الطالب:
عمر يعقوب جميل الصالحي
إشراف:
الأستاذ الدكتور: عمر يوسف حمزة
عميد كلية أصول الدين في جامعة أم درمان
1429هـ-2008م
1
جمهورية السودان
وزارة التعليم العالي
والبحث العلمي
جامعة وادي النيل
كلية الدراسات العليا
التفسير الاشاري عند الشيخ الشعراوي
دراسة
مقدمة
لنيل
درجة الدكتوراة
إعداد
الطالب:
عمر
يعقوب جميل الصالحي
إشراف:
الأستاذ الدكتور: عمر يوسف حمزة الأستاذ الدكتور : الهادي
محمد أحمد
عميد كلية أصول الدين في جامعة أم درمان
أعضاء لجنة المناقشة:
(1) الأستاذ الدكتور عمر يوسف حمزة ______ رئيساً.
(2) الأستاذ الدكتور ______
ممتحنا خارجياً .
(3) الأستاذ الدكتور ______ ممتحنا داخلياً.
قدمت هذه الرسالة استكمالا لمتطلبات درجة الدكتوراة في التفسير
وعلوم القرآن في جامعة وادي النيل – كلية الدراسات العليا- السودان.
1429هـ - 2008م
2
بسم الله الرحمن
الرحيم
المقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه
ومن والاه وبعد:
إذا دققنا
النظر في علوم القرآن الكريم، وجدناها تخرج عن حد الحصر، ويسعفنا في ذلك قول الله
سبحانه وتعالى:"
مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ "(1)
ولذلك نجد بأن الديانات جميعها لم تبدأ بإقرأ كما بدأ القرآن، فالقرآن أمرنا قبل
الصلاة بالقراءة كما أمرنا بالبحث،
قال تعالى:" فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ
"(2)
وقال تعالى:" وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ
"
(3). وانطلاقا من هذه الآيات رأيت أن أشارك بقلمي أهل الفكر والإيمان هذا
الأمر الذي يأمر بالعبادة والطاعة.
وإذا ما دققنا النظر
في آيات الله وجدنا أنها تعالج مشكلات الحياة فضلا عن كونها شريعة، وعلاقات عامة،
فمشكلات الحياة تمثلت بالنواحي الاجتماعية، والاقتصادية، والتربوية، والأخلاقية،
والسياسية.
وما هذه إلا
قطرة في بحر من العلوم التشريعية، ومن خلال هذه العلوم امتدت أقلام الباحثين إلى
الكثير من مناحيها إلا أن هناك بعضا من العلوم لم تمتد إليها إلا القلة القليلة من
أقلام أهل الفكر، فالعلم الإشاري من المواضيع ذات الندرة التي عالجها أهل الفكر الإسلامي،
من هنا كان اختياري لهذا الموضوع الموسوم "بالتفسير الإشاري عند الشيخ
الشعرواي".
ومن أسباب اختياري لهذه الدراسة ما يلي:-
1. أهمية
القرآن الكريم، إذ هو المصدر الأول في الشريعة الإسلامية.
2. وامتثالا
لقوله تعالى:" لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا
الْأَلْبَابِ
"(4).
3. محاولة
إعادة قراءة لبعض الآيات التي تخص العلوم الإلهية والعلوم الإشارية.
4. رصد
أثر العلوم الإشارية في المجتمع.
5. إثراء
المكتبة الإسلامية بهذا الموضوع.
6. تقصي
التفسير الإشاري عند الشيخ الشعراوي.
7. تقصي
أثر هذا العالم في المجتمع.
(1) سورة الأنعام، الآية 38.
(2)
سورة الطارق، الآية 5.
(3)
سورة الذاريات، الآية21.
(4)
سورة ص، الآية 29.
3
وهكذا تبلورت أهمية هذا الموضوع في
النقاط التالية:
1) ترتبط أهمية البحث بأهمية القرآن الكريم.
2) ثم لأهمية العلوم الإشارية في المجتمع.
3) ولأهمية الشيخ الشعراوي بين المفسرين في القرن العشرين.
وتتألف دراستي من مقدمة، وأربعة أبواب وخاتمة.
الباب
الأول:
حقائق
عامة عن التفسير:
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول:التفسير والتأويل في اللغة والاصطلاح والفرق بينهما
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف التفسير لغة
واصطلاحا.
المبحث الثاني: تعريف التأويل لغة
واصطلاحا.
المبحث الثالث: الفرق بين التفسير
والتأويل.
الفصل
الثاني: دراسة عامة للتفسير
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: مكانة علم التفسير
والعناية به.
المبحث الثاني: نشأة علم التفسير
وعصور تدوينه.
المبحث الثالث: أسباب اختلاف
المفسرين.
الفصل
الثالث: أقسام التفسير
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: التفسير بالمأثور.
المبحث الثاني: التفسير بالرأي.
المبحث الثالث: التفسير الموضوعي.
المبحث الرابع: التفسير الإشاري.
4
الباب
الثاني:
حقائق
عامة عن التفسير الإشاري
وفيه فصلان:
الفصل
الأول: التفسير الإشاري على وجه العموم.
وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول: التفسير الإشاري لغة
واصطلاحا.
المبحث الثاني: أهميته.
المبحث الثالث: أشهر الكتب المؤلفة
فيه.
المبحث الرابع: خصائصه.
المبحث الخامس: نماذج منه.
المبحث السادس: من تاريخ التفسير
الإشاري.
الفصل
الثاني:أدلة التفسير الإشاري والحكم عليه.
وفيه
ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: دليل التفسير الإشاري
من القرآن والسنة.
المبحث الثاني: الإشارات العلمية
في التفسير الإشاري.
المبحث الثالث: الحكم على التفسير
العلمي الإشاري.
5
الباب
الثالث
سيرة
الشيخ الشعراوي
وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول:
شخصية الشعراوي
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الحالة السياسية في
عصره
المبحث الثاني: اسمه، مولده، كنيته
المبحث الثالث: أسرته، نشأته
الفصل الثاني:شخصيته العلمية
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعليمه، ثقافته،
وفكره.
المبحث الثاني: مشايخه، تلاميذه.
المبحث الثالث: مؤلفاته.
الفصل الثالث: شخصيته الدعوية
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: مناصبه، رحلاته،
وأسفاره.
المبحث الثاني: مزاياه الشخصية.
المبحث الثالث: لطائف الشيخ
وأقواله المأثورة.
المبحث الرابع: كراماته.
الفصل الرابع: شخصيته العملية.
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: آثاره في المجتمع.
المبحث الثاني: مكانته بين العلماء
وثناء أهل العلم عليه.
المبحث الثالث: أولاده.
المبحث الرابع: وفاته.
6
الباب
الرابع:
أسس
التفسير الإشاري عند الشيخ الشعراوي:
وفيه فصلان:
الفصل الأول: التفسير الإشاري عند الشعراوي.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول:
منهج الشيخ الشعراوي في التفسير.
المبحث الثاني: خصائص وأسلوب
التفسير الإشاري عند الشيخ الشعراوي.
المبحث الثالث: التفسير الإشاري
العلمي للآيات الكونية عند الشعراوي.
الفصل
الثاني: التفسير الإشاري على وجه الخصوص.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول:
نماذج في التفسير الإشاري عند الشيخ
الشعراوي.
المبحث الثاني:
تأثره بغيره من مفسري التفسير الإشاري.
المبحث الثالث: موقع مدرسة الشعراوي من التفسير الحديث.
وفيه مطالب:
المطلب الأول: مدرسة التفسير الإشاري.
المطلب الثاني: مدرسة التفسير اللغوي.
المطلب الثالث: مدرسة التفسير الفقهي.
المطلب الرابع: مدرسة التفسير العلمي.
المطلب الخامس: مدرسة التفسير الموضوعي.
المطلب السادس: مدرسة التفسير الوعظي.
7
مناهج البحث في الرسالة:
لقد اعتمدت في بناء الرسالة على:
-
المنهج الإستقرائي:
من خلال تقصي النصوص من الكتاب والسنة، والمصادر التي كتبت في التفسير والتفسير
الإشاري.
-
المنهج التحليلي:
وذلك من خلال دراسة تفسير الشيخ الشعراوي، واستخلاص النتائج منه وإثبات كل ذلك
بالنصوص المقتبسة من تفسير الشعراوي.
-
ثم منهج المقابلة
وذلك بالإجتماع مع أصدقاء الشيخ ومعارفه من العلماء للتأكد من طريقة الشيخ في
التفسير وأحواله التي تنبع من علمه الغزير.
ثم ختمت الرسالة بخاتمة استعرضت فيها أهم النتائج التي انتهى
إليها البحث ثم زودت الرسالة بالفهارس التالية:
1. فهرس الآيات القرآنية.
2. فهرس الأحاديث النبوية.
3. فهرس الأشعار.
4. فهرس الأعلام.
5. فهرس المصادر والمراجع.
6. فهرس الموضوعات
وكلي أمل أن يقبل
عملي هذا، فإن قبل فهو من توفيق الله - سبحانه - وإن كان هنالك خطأ فهو من عند
نفسي.
والحمد
لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
8
الباب الاول
حقائق عامة عن التفسير والتفسير الاشاري
وفيه أربعة فصول
الفصل الأول: التفسير والتأويل في اللغة والاصطلاح
والفرق
بينهما.
الفصل الثاني: دراسة عامة للتفسير.
الفصل الثالث: أقسام التفسير.
9
الباب الاول
حقائق عامة عن التفسير والتفسير الارشادي
وفيه أربعة فصول
الفصل الأول: التفسير والتأويل في اللغة والاصطلاح
والفرق
بينهما.
الفصل الثاني: دراسة عامة للتفسير.
الفصل الثالث: أقسام التفسير.
الفصل الاول
التفسير والتأويل في اللغة والاصطلاح والفرق بينهما
وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول: التفسير في اللغة والاصطلاح.
المبحث الثاني: التأويل في اللغة والاصطلاح.
المبحث الثالث: الفرق بين التفسير والتأويل.
المبحث الأول
التفسير في اللغة والاصطلاح
تعريف التفسير لغة:
مادة ( فسر ) في القرآن الكريم:
إن كلمة التفسير قد
وردت في القرآن الكريم مرة واحدة في معرض الرد على الكافرين، وهم يثيرون الشبهات
حول القرآن الكريم، قال تعالى:" وَلَا يَأْتُونَكَ
بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً
"(1).
أي:" لا يأتونك بمثل مما يحيك في صدورهم إلا رددناه بأحسن بيان "(2).
مادة ( فسر
) في المعاجم العربية القديمة:
قال ابن فارس:" الفسر
كلمة تدل على بيان الشيء وإيضاحه، تقول فَسَرتُ الشيء، وفسَّرته "(3).
وقال الإمام الراغب
الأصفهاني في المفردات:" الفسر إظهار المعنى المعقول. ومنه قيل لما ينبىء عنه
البول: تفسرة. [ أي أن البول ينبىء ويكشف ويظهر المرض الموجود في الجسم، فالبول
تفسرة وإظهار للمرض ]
والتفسير في المبالغة كالفِسر "(4).
أي: أن الراغب يرى
اتفاق التفسير والفسر في أصل المعنى، فهما يدلان على إظهار المعنى. لكن في التفسير
مبالغة أكثر من الفسر.
ويلتقي كلام ابن فارس مع كلام الراغب على أن معنى التفسير يقوم
على: بيان الشيء وإظهاره وإيضاحه.
(1) سورة
الفرقان، الآية 33.
(2) البيضاوي، ناصر الدين عبد
الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، دار الكتب العربية، صبيح، القاهرة، 1947م،
1/485.
(3) ابن فارس، أبو الحسين أحمد
بن فارس بن زكريا، المتوفى سنه 395 هـ، معجم مقاييس اللغة، حققه شهاب الدين أبو عمر،
دار الفكر، بيروت، ط1، 1415هـ - 1994 م ص 504 وسيشار إليه عند إعادة ذكره هكذا:
ابن فارس، معجم مقاييس اللغة.
(4) الأصفهاني، المعروف
بالراغب أبو القاسم الحسيني، محمد، المتوفى سنه 502 هـ، المفردات في غريب القرآن،
تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، د.ت، ص290 مادة فسر.
وقال ابن
منظور:" الفسر: البيان، فسر الشيء يفسره - بالكسر- وفسره: أبانه.
والتفسير: كشف المراد عن اللفظ المشكل " (1).
وقال الفيروز أبادي :" الفسر: الإبانه وكشف المغطى "(2).
وقال أبو البقاء الكفوي:" التفسير: الاستبانة والكشف،
والعبارة عن الشيء بلفظ أيسر وأسهل من لفظ الأصل "(3).
وورد في المعجم
الوسيط: " التفسير: الشرح والبيان. وتفسير القرآن: يقصد منه: توضيح معاني
القرآن، وما انطوت عليه آياته من عقائد وأسرار وحكم وأحكام "(4).
ولم تخرج معاجم اللغة العامة عن هذا المعنى
(الكشف)، وكذلك كان شأن كتب غريب القرآن، والمعاجم المتأخرة المختصة بتوضيح معاني
القرآن الكريم فقد جاء في معجم الألفاظ والأعلام القرآنية قوله:" فسر الشيء:
وضحه، وفسر آيات القرآن: شرحها ووضح ما تنطوي عليه من معان وأسرار وأحكام.
والتفسير: الشرح والبيان "(5).
(1) ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم، المتوفى سنه
711هـ، لسان لعرب، دار الفكر، بيروت، ط3، 31414هـ - 1994م، 5/ 5 وسيشار إليه عند
إعادة ذكره هكذا: ابن منظور، لسان العرب.
(2) الفيروز أبادي، مجد الدين،
المتوفى سنه 817 هـ، القاموس المحيط، مطبعة دار المأمون، بيروت، ط4، 1357هـ -
1938م، 2/110.
(3) الكفوي، أيوب بن موسى،
الكليات، معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري،
مؤسسة الرسالة، بيروت، د.ت، ص260
(4) الزيات، أحمد حسن، المعجم
الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة، ط1، د.ت، ص688
(5) إبراهيم، محمد إسماعيل، معجم الألفاظ والأعلام
القرآنية، دار الفكر العربي، بيروت، ط1، 1969، 2/113.
وقال أبو حيان الأندلسي:" وينطبق أيضا التفسير على
التعرية للانطلاق، قال ثعلب: تقول: فسرت الفرس: يجريه لينطلق في حصره، وهو راجع
لمعنى الكشف فكأنه كشف ظهره لما يريد منه الجري"(1).
وهكذا فالتفسير في اللغة هو: الكشف والإظهار (2).
التفسير أصله كان يدل
على الكشف الحسِّي، ثم تطور ليدل على المعنى العقلي، ولقد كثر استعماله في المعاني
العقلية حتى قال العلماء في ذلك:" واستعماله في الثاني أكثر من استعماله في
الأول "(3).
(1) الأندلسي، أحمد بن يوسف، البحر
المحيط، دار الفكر، بيروت، ط1، 1413هـ-1993، 1/13
(2)
الجرجاني، علي محمد، التعريفات، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1407هـ - 1987م، ص91.
وانظر
المناوي، عبد الرؤوف، التوقيف على مهمات التعاريف، عالم الكتب، القاهرة،ط1، 1410هـ
- 1990م، ص 104. وانظر التهانوني، محمد علي، موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم،
المكتبة اللبنانية، بيروت، 1996، 1/491.
(3)
الذهبي، محمد حسين، التفسير والمفسرون، دار اليوسف، بيروت، ط1، 1421هـ - 2000م،
1/15.
تعريف التفسير اصطلاحا:
لقد اصطلح العلماء مفهوما لعلم التفسير
كل بما أداه إليه اجتهاده ونظره، فاختلفت اصطلاحاتهم بموجب الزاوية التي نظروا
منها إلى العلم ولكنهم يدورون جميعا حول نقطة واحدة: وهي التي يلتقون فيها مع
الدلالة اللغوية لكلمة التفسير وعلاقتها بالقرآن الكريم الذي هو موضوع البحث
وغايته.
عرف ابن جزي التفسير
فقال:" هو شرح القرآن، وبيان معناه، والإفصاح بما يقتضيه بنصه أو إشارته "(1).
وعرفه
أبو حيان بقوله:" علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها
الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك "(2).
وعرفه الزركشي في
موضعين في كتابه البرهان في علوم القرآن حيث قال في الموضع الأول: " علم يعرف
به فهم كتاب الله المنزل على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وبيان معانيه، واستخراج
أحكامه وحكمه "(3).
وعرفه في الموضع
الثاني فقال:" التفسير: علم نزول الآية وسورتها وأقاصيصها، والإشارات النازلة
فيه، ثم ترتيب مكيها ومدنيها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها
وعامها، ومطلقها، ومقيدها،ومجملها ومفسرها "(4).
وقال السيوطي:" التفسير
علم يفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه
واستخراج حكمه وأحكامه "(5).
وقال محمد الطاهر بن
عاشور:" التفسير اسم للعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن وما يستفاد
منها، باختصار أو توسع "(6).
(1) ابن جزي، الكلبي، محمد بن أحمد
المتوفى سنه 741هـ، التسهيل لعلوم التنزيل، ط 2، لبنان، دار الكتاب العربي، بيروت،
ط2، 1393هـ - 1973م، 1/6.
(2) الأندلسي، البحر المحيط، 1/ 13.
(3) الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله، المتوفى سنه 794هـ ،
البرهان في علوم القرآن، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1391هـ- 1972م، 1/13.
(4) المرجع السابق نفسه، 2/ 138.
(5) السيوطي، جلال الدين، المتوفى سنه 911هـ، الاتقان في علوم
القرآن، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، 1951م، 2/ 173.
(6) ابن عاشور، محمد الطاهر، المتوفى سنه 1393هـ، التحرير
والتنوير، طبعة الدار التونسية، تونس، د.ت،
1/ 11.
وعرفه الزرقاني
بأنه:" علم يبحث فيه عن أحوال القرآن المجيد، من حيث دلالته على مراد الله
تعالى، بقدر الطاقه البشريه "(1).
وقال الدكتور
مساعد:" التفسير: بيان وشرح القرآن "(2).
وقال الجرجاني
التفسير هو:" توضيح معنى الآية وشأنها وقصتها، والسبب الذي نزلت فيه بلفظ يدل
عليه دلاله ظاهرة "(3).
ويمكن القول بأن علم
التفسير: هو علم يبحث عن مراد الله من قوله في القرآن بقدر الطاقة البشرية، فهو
يشمل كل ما يتوقف عليه فهم القرآن.
مما سبق ألاحظ ما يلي:-
1. ألاحظ أن بعض
أصحاب هذه التعريفات نظر إلى جملة العلوم التي تستنبطها كتب التفسير ولكثرتها فإنه
لا يمكن حصرها وعدها كلها في التعريف.
2. ويلاحظ أن بعضهم ذكر ما ليس من علم
التفسير كقول أبي حيان الأندلسي:" وقولنا يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن "(4)
إن هذه مهمة مقرىء القرآن.
3. كما يلاحظ أن بعض العلوم المذكورة لم يذكر
فيها ضابط فيما يدخل منها وما لا يدخل في التفسير.
4. إن تفسير الزركشي أوضح مما سبق وأدل على
المقصود من التفسير وزاد عليه الزرقاني:" أن التفسير إنما يكون بحسب الطاقة
البشرية "وهذا القيد لا بد منه في التعريف لأنه لا يتأتى لأي إنسان مهما بلغ
علمه أن يقطع بالوصول إلى مراد الله تعالى سوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى "(5).
5. وأخيرا إذا أمعنت النظر في هذه التعريفات
فإنك ستجد بعضها قد انطلق من المعنى اللغوي للتفسير، وهذا هو الصواب وقد استعملت
في هذه التعريفات عبارات بيان وشرح وكشف للتعبير عن التفسير ومعناه، وهذا يؤكد
العلاقة الوثيقة بين المعنى اللغوي للتفسير والمعنى الاصطلاحي.
(1) الزرقاني، محمد عبد العظيم، مناهل
العرفان في علوم القرآن، عيسى الحلبي، القاهرة، ط1، د.ت. 2/3، أنظر أبو سلامة،
محمد، منهج الفرقان، مطبعة شبرا، القاهرة، ط1، 1938، 2/6.
(2) الطيار، د.مساعد سليمان ناصر، التفسير اللغوي
للقرآن الكريم، دار ابن الجوزي، د.ت، ص27.
(3) الجرجاني، التعريفات، ص90.
(4) الأندلسي، أبو حيان، البحر المحيط،1/13.
(5) عبد الرحيم، مختار مرزوق، الدخيل في
التفسير، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 1420هـ_ 2000م، ص7.
المبحث الثاني
التأويل في اللغة والإصلاح
التأويل في اللغة:
تعريف التأويل لغة: قال
ابن فارس:" الأول بمعنى الانتهاء والمرجع وتأويل الكلام عاقبته ما يؤول
وينتهي إليه "(1).
وقال الراغب
الأصفهاني في المفردات" الأول: الرجوع إلى الأصل ومنه الموئل: وهو الموضع
الذي يرجع إليه، والتأويل هو: رد الشيء إلى الغاية المرادة منه علما كان أو فعلا
ومن رد الشيء إلى غايته في العلم لقوله تعالى:" وَمَا يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ
"(2)،
ومن رد الشيء إلى غايته في الفعل قوله تعالى:" هَلْ يَنظُرُونَ
إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن
قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ "(3).(4).
" وحتى نعرف
معنى تأويل القرآن الكريم، وانطلاقا من كلام الراغب بأن التأويل هو: رد الشيء إلى
الغاية المرادة منه علما كان، أو فعلا، فإننا نجد أن تأويل الكلام له معنيان، ورده
إلى غايته المرادة منه له صورتان:
الصورة الأولى: رد علمي: وهو رد الكلام إلى حقيقته العلمية،
وذلك بإعادة الكلام المشتبه الملتبس إلى أصله الواضح لحسن فهمه.
الصورة الثانية: رد عملي: وهو رد الكلام إلى حقيقته العملية،
وذلك بأداء المطلوب منه، وفعله وتطبيقه "(5).
قال ابن منظور في
لسان العرب:" الأول: الرجوع. وآل الشيء ويؤول مآلا: إذا رجع وعاد وأول الكلام
وتأويله: إذا دبَّره وقدره وفسره. ويقال: ألت الشيء إذا جمعته وأصلحته، فكأن
التأويل هو: جمع معاني ألفاظ أشكلت بلفظ واضح لا إشكال فيه "(6).
(1) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 1/98.
(2) سورة آل عمران، الآية 7.
(3) سورة الأعراف، الآية 53.
(4) الأصفهاني، المفردات، ص99.
(5) الخالدي، صلاح عبد الفتاح، التفسير والتأويل في القرآن، دار
النفائس، الأردن، ط1، 1416هـ_1996م،
ص35.
(6)
ابن منظور، لسان العرب،11/33.
قال السمين الحلبي في
عمدة الحفاظ:" وآل فلان إلى فلان: إذا لجأ إليه والموئل: المرجع وقيل الملجأ "(1)،
وقال الفيروز أبادي في القاموس المحيط:" أوَّل الكلام تأويلا وتأوله دبره
وقدره وفسره "(2).
التأويل في الاصطلاح:
من
أدق التعاريف للتأويل في الاصطلاح وأكثرها ضبطا، ما ذكره الإمام الراغب الأصفهاني
في المفردات، قال:" التأويل هو: رد الشيء إلى الغاية المرادة منه، علما كان
أو فعلا "(3). وقال الغزالي في المستصفى:" التأويل عبارة عن
احتمال يقصده دليل يصير به أغلب على الظن من المعنى الذي يدل عليه الظاهر "(4).
قال ابن
جزي:" التأويل: هو حمل الكلام على معنى غير المعنى الذي يقتضيه الظاهر بموجب
اقتضى أن يحمل على ذلك ويخرج على ظاهره "(5).
قال
الزركشي:" والتأويل في الاصطلاح هو: صرف الآية على ما تحتمله من
المعاني"(6).
وقال ابن
رشد:" التأويل: هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة
المجازية "(7). وعرفه بعضهم:" أنه صرف اللفظ عن معناه الظاهر
إلى معنى يحتمله إذا كان من المحتمل الذي يراه موافقا بالكتاب والسنة "(8).
(1)
السمين الحلبي، أحمد يوسف عبد الدائم، المتوفي 756هـ، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف
الألفاظ، معجم لغوي لألفاظ القرآن الكريم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1417هـ
4/318.
(2)
الفيروز أبادي، القاموس المحيط، 3/331.
(3)
الأصفهاني، المفردات، ص99.
(4)
الغزالي، محمد، المتوفى 505هـ، المستصفى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1972، 1/245.
(5)
ابن جزي، التسهيل لعلوم التزيل، 1/11.
(6)
الزركشي، البرهان، 2/148.
(7)
ابن رشد، محمد بن أحمد، المتوفي 595، فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من
الاتصال، طبع دار المعارف، بيروت، 1972، ص31.
(8)
الجرجاني، أبو الحسن علي محمد، التعريفات، ص28.
وذكر السيوطي
في التحبير قول الماتوريدي حيث قال" التأويل: ترجيح أحد المحتملات بدون القطع
والشهادة على الله "(1).
وقال
الشوكاني:" التأويل: صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى مرجوح يحتمله الدليل
يصيره راجحا "(2).
وعرف الألوسي
التأويل بقوله:" إشارة قدسية ومعارف سبحانية تنكشف من سجف(3).العبارات
للسالكين وتنهل من سحب الغيب على قلوب العارفين "(4)، وعرف مناع
القطان التأويل بقوله:" هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح
لدليل يقترن به "(5).
وربطا للعلاقة
بين التفسير والتأويل نورد قول ابن عباس -رضي الله عنهما- في هذا الصدد، فيما رواه
الإمام الطبري- رحمه الله تعالى - في مقدمة تفسيره، حيث يقول: عن ابن عباس -رضي
الله عنهما- أنه قال:" التفسير على أربعة أوجه:
1. وجه تعرفه العرب في كلامها.
2. وتفسير لا يعذر أحد بجهالته.
3. وتفسير يعلمه العلماء.
4. وتفسير لا يعلمه إلا الله "(6).
(1)
السيوطي، جلال الدين، التحبير في علم التفسير، دار المنار، القاهرة، ط1، 1406هـ_
1986م، ص38.
(2)
الشوكاني، محمد بن علي، المتوفي 1255هـ، إرشاد الفحول، مصطفى الحلبي، القاهرة، د.ت،
ص 176.
(3)
سجف: الستر. أنظر ابن منظور، لسان العرب 9/144.
(4)
الألوسي، محمود، المتوفي 1270هـ، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع
المثاني، دار الفكر، بيروت، 1408هـ - 1987م، 1/1.
(5)
القطان، مناع خليل، مباحث في علوم القرآن الكريم، مكتبة وهبة، القاهرة، ط12،
1423هـ- 2002م، ص 326.
(6)
الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار المعارف، القاهرة، ط2،
1969، 1/54.
ولقد شرح
هذا الكلام الإمام الزركشي- رحمه الله- في كتابه البرهان في علوم القرآن حيث قال:"
وهذا التفسير صحيح:
1. فأما الذي تعرفه العرب، فهو الذي يرجع إلى لسانهم.
2. وأما التفسير الذي لا يعذر أحد بجهالته
فهو ما تتبادر الأفهام إلى معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع الأحكام، ودلائل
التوحيد.
وأما التفسير الذي
يعلمه العلماء، ويرجع إلى اجتهادهم، فهذا الذي يغلب عليه إطلاق التأويل، وهو صرف
اللفظ إلى ما يؤول إليه، فالمفسر ناقل، والمؤول مستنبط، وذلك استنباط الأحكام،
وبيان المجمل، وتخصيص العموم. وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدا فهو الذي لا يجوز لغير
العلماء الاجتهاد فيه، وعلى العلماء اعتماد الشواهد والدلائل، وليس لهم أن يعتمدوا
مجرد رأيهم فيه (1).
(1)
الزركشي، البرهان في علوم القرآن، 2/ 164-165 بتصرف.
ويرى أستاذي الدكتور عمر يوسف حمزة أن معنى التأويل في الاصطلاح عند السلف له معنيان وهما:
ويرى أستاذي الدكتور عمر يوسف حمزة أن معنى التأويل في الاصطلاح عند السلف له معنيان وهما:
الأول: تأويل الكلام:
بمعنى ما أوله إليه المتكلم أو ما يؤول إليه الكلام ويرجع، والكلام إنما يرجع
ويعود إلى حقيقته التي هي عين المقصود. وهو نوعان: إنشاء وأخبار، ومن الإنشاء
الأمر.
فتأويل الأمر: هو
الفعل المأمور له، ومن ذلك ما روي عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم-
يقول في ركوعه وسجوده:" سبحانك اللهم وبحمدك اللهم إغفر لي يتأول القرآن "(1)،
وهي تقصد بذلك قول الله -تعالى-:" فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً"(2).(3).
وتأويل الأخبار:
هو عين المخبر إذا وقع، كما في قول الحق تبارك وتعالى:"
وَلَقَدْ
جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ
يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ
فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ
الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ "(4).
فقد أخبر أنه فصل
الكتاب، وأنهم لا ينتظرون إلا تأويله، أي مجيء ما أخبر القرآن بوقوعه، من القيامة
وأشراطها، وما في الآخرة من الصحف والموازين والجنة والنار وغير ذلك. فحينئذ يقولون:"
قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا
نعمل"(5).
الثاني: تأويل الكلام:
أي تفسيره وبيان معناه. وهو ما يعنيه الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره
بقوله:" القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا" وبقوله " اختلف أهل
التأويل في هذه الآية " فإن مراده التفسير(6).
(1) البخاري، محمد بن إسماعيل، الصحيح،
مطبعة استانبول، تركيا، 1979، 8/564.
(2)
سورة النصر، الآية 3.
(3)
حمزة، الدكتور عمر يوسف دراسات في أصول التفسير ومناهجه، مكتبة الأقصى، قطر،ط2،
1415هـ - 1995م، ص9، وانظر ابن الجوزي، عبد الرحمن، زاد المسير في علم التفسير، المكتب
الإسلامي، بيروت، ط4، 1407هـ - 1987، 9/257.
(4)
سورة الأعراف، الآيتان 52-53.
(5)
ابن عطية، عبد الحق، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ، دولة قطر، ط1،
1401هـ-1981م، 5/523.
(6)
بلتاجي، محيي الدين، دراسات في التفسير وأصوله، مطابع دار ومكتبة الهلال بيروت، ط1،
1987م، ص24.
تعريف التأويل عند المتأخرين:
عرف المتأخرون التأويل بأنه:" صرف للفظ عن
المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به - وهذا التعريف لا يتفق مع ما
يراد بلفظ التأويل في القرآن عند السلف "(1)، وقد جاءت كلمة
التأويل في القرآن الكريم في سبع سور منه.
قال تعالى:" وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ
اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ "(2).
وقوله تعالى:" ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
"(3).
وقوله جل شأنه:" هَلْ يَنظُرُونَ
إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ "(4).
وقوله تعالى:" بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ
وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ "(5).
وقوله جل شأنه:" وَيُعَلِّمُكَ مِن
تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ "(6).
وقوله تعالى:" ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
"(7).
وقوله تعالى" ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع
عَّلَيْهِ صَبْراً "(8).
ويرى بعض الباحثين أن كلمة
" التأويل " في جميع هذه المواضع أريد بها الأمر العملي الذي يقع في
المآل تصديقا لخبر أو رؤيا، أو تصديقاً لعمل غامض يقصد به شيء في المستقبل "(9).
والكلمة بهذا المعنى وثيقة
الصلة بمعناها اللغوي السابق على حين يرى آخرون أن المراد بها في بعض هذه المواضع
هو التفسير بمعنى البيان والكشف والإيضاح "(10).
(1) حمزة، د.عمر يوسف، دراسات في أصول
التفسير ومناهجه، ص10.
(2) سورة آل عمران ، الآية 7.
(3) سورة النساء ،الآية 59.
(4) سورة الأعراف ، الآية 52.
(5) سورة يونس، الآية 39.
(6) سورة يوسف، الآية 6.
(7) سورة الإسراء، الآية 35.
(8) سورة الكهف، الآية 82.
(9) زيد، د.مصطفى، دراسات في التفسير، ، المطبعة العلمية، بيروت،
د.ت، ص6.
(10)الزرقاني، مناهل العرفان، 1/ 472.
المبحث الثالث:
الفرق بين التفسير
والتأويل:
إن خير ما يعيننا على
معرفة الفرق بين التفسير والتأويل هو كتاب الله -تعالى- فقد وردت كلمة التفسير في
القرآن الكريم مرة واحده حيث قال الله -تعالى-:" وَلَا
يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (1)، أما كلمة تأويل فقد
وردت في القرآن في مواضع متعددة وسياقات مختلفة: منها ما يتصل بالمتشابه، قال تعالى:"
هُوَ
الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ
الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ "(2).
ومنها ما يتصل بتأويل
الرؤيا، قال تعالى:" وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ
رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً "(3)، وفي السورة نفسها
في رؤيا الملك قول الله -تعالى-:" وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ
بِعَالِمِينَ"(4)، وفي تأويل الأعمال
وبيان ما يقصد منها، قال الله -تعالى-حاكيا عن العبد الصالح يخاطب موسى – عليه
السلام - سَأُنَبِّئُكَ
بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً "(5).
(1) سورة الفرقان،
الآية 33.
(2) سورة آل عمران،
الآية 7.
(3) سورة يوسف، الآية
100.
(4) سورة يوسف، الآية
44.
(5) سورة الكهف،
الآية 78.
وبعد أن شرح له ذلك شرحا تاما قال:" ذَلِكَ
تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً "(1)، وقد وردت كلمة
تأويل في صحة ما ينبىء عنه القرآن وأنه أمر محقق الوقوع.
قال الله -تعالى-:" بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ
بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ "(2).
وإذ تأملنا هذه الآيات
نستطيع أن ندرك الدقة في الفرق بين التفسير والتأويل من تعبيرات القرآن نفسها،
فالمواضع التي عبر فيها بالتأويل بحاجة إلى الروية وإعمال الفكر إلى عملية عقلية،
ولا أدل على ذلك من استعماله كلمة التأويل في شأن المتشابه، وتأويل الرؤى، وأمر
موسى - عليه السلام - وما حدث بينه وبين العبد الصالح الخضر(3).
أخرج الإمام البخاري عن
السيدة عائشة - رضي الله عنها - مرفوعا إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- عند تفسير
قوله تعالى:" فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا
تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ
"(4)، " فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه
فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم "(5)، ندرك من هذا إذاً
أن استعمالات القرآن كما يشير الحس اللغوي، تفرق بين التفسير والتأويل وإليه ذهب
كثير من الكاتبين القدامى(6)، كما يعرف ذلك من كلامهم.
(1) سورة الكهف،
الآية 82.
(2) سورة يونس، الآية
39.
(3) عباس، فضل حسن،
التفسير أساسياته واتجاهاته، مكتبة دنديس، الأردن،ط1، سنة 1426هـ - 2005م، ص 108.
(4)
سورة آل عمران، الآية 7.
(5)
البخاري، محمد إسماعيل، الصحيح، 6/42.
(6)
الجاحظ، كتاب الحيوان، السعادة، القاهرة، 1325هـ 1/5.
وهكذا اختلف العلماء
في الفرق بين التفسير والتأويل، وتعددت أقوالهم في ذلك وتضاربت ومن أشهر تلك
الأقوال في التفريق بينهما:
1. قال أبو عبيدة وطائفة معه:" التفسير والتأويل بمعنى واحد "(1).
فهما مترادفان، وهذا هو الشائع عند المتقدمين من علماء التفسير، في أشهر
المعاني اللغوية، والتأويل في اصطلاح المتكلمين هو ما ذهب إليه الخلف من صرف
النصوص المتشابهة عن ظاهرها لتنزيه الله - تعالى- عن المماثلة للحوادث "(2).
2. أن التأويل هو نفس المراد بالكلام، فتأويل الطلب نفس الفعل المطلوب،
وتأويل الخبر نفس الشيء المخبر به، فعلى هذا يكون الفرق كبيرا بين التفسير
والتأويل، لأن التفسير شرح وإيضاح الكلام، ويكون وجوده في الذهن بتعلقه، وفي
اللسان بالعبارة الدالة عليه، أما التأويل فهو نفس الأمور الموجودة في الخارج،
فإذا قيل: طلعت الشمس، فتأويل هذا هو نفس طلوعها، وهذا هو الغالب في لغة القرآن.
قال تعالى:" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ
مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
* بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ
تَأْوِيلُهُ
"(3)، فالمراد بالتأويل
وقوع المخبر به "(4).
(1) السيوطي،
الإتقان، 2/173.
(2)
لاشين، موسى شاهين، اللآليء الحسان في علوم القرآن، مطبعة الفجر الجديد،القاهرة،
ط1، د.ت، ص322.
(3) سورة يونس، الآيتان
38-39.
(4) قطان، مناع،
مباحث في علوم القرآن، ص322.
3. قال الراغب الأصفهاني:" التفسير أعم من التأويل. وأكثر ما
يستعمل التفسير في الألفاظ، والتأويل في المعاني، كتأويل الرؤيا. والتأويل يستعمل
أكثره في الكتب الإلهية، والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها.
والتفسير أكثره يستعمل في
مفردات الألفاظ والتأويل أكثره يستعمل في الجمل إما أن يستعمل في غريب الألفاظ
كالبحيرة والسائبه والوصيلة، أوفي تبيين المراد وشرحه كقوله تعالى:"
وَأَقِيمُواْ
الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ "(1)، وإما في كلام مضمن
بقصة لا يمكن تصوره إلا بمعرفتها نحو قوله تعالى: " إِنَّمَا
النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ "(2)، وقوله تعالى:"
وَلَيْسَ
الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا "(3)، وأما التأويل فإنه
يستعمل مرة عاما ومرة خاصا نحو الكفر المستعمل تارة في الجحود المطلق وتارة في
جحود الباري خاصة. والإيمان المستعمل في التصديق المطلق وتارة في جحود الباري
خاصة. والإيمان المستعمل في التصديق المطلق تارة، وفي تصديق دين الحق تارة، وإما
في لفظ مشترك بين معان مختلفة، نحو لفظ وجد، المستعمل في الجد والوجد والوجود "(4).
4. قال الماتوريدي:" التفسير القطع على أن المراد من اللفظ هذا،
والشهادة على الله أنه عنى باللفظ هذا، فإن قام دليل مقطوع به فصحيح، وإلا فتفسير
بالرأي، وهو المنهي عنه، والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على
الله "(5)، وعلى هذا فالنسبة بينهما التباين.
5. قال أبو طالب الثعلبي:" التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو
مجازا، كتفسير الصراط بالطريق، والصيب بالمطر. والتأويل تفسير باطن اللفظ مأخوذ من
الأول وهو الرجوع لعاقبة الأمر فالتأويل إخبار عن حقيقة الأمر، والتفسير إخبار عن
دليل المراد، لأن اللفظ يكشف عن المراد والكاشف دليل، مثاله قوله تعالى:"
إِنَّ
رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ "(6)، تفسيره أنه من الرصد، يقال رصدته رقبته، وتأويله التحذير من التهاون
بأمر الله، وقواطع الأدلة تقتضي بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ في اللغة(7)، وعلى هذا فالنسبة
بينهما التباين.
(1) سورة البقرة،
الآية 43.
(2)
سورة التوبة، الآية 37.
(3)
سورة البقرة، الآية 189.
(4)
الأصفهاني، الراغب، مقدمة التفسير، الجمالية، القاهرة، ط1، 1329هـ، ص402-403.
(5)
السيوطي، الإتقان، 2/173.
(6)
سورة الفجر، الآية 14.
(7)
السيوطي، الإتقان، 2/173.
6. قال بعضهم:" التفسير ما يتعلق بالرواية، والتأويل ما يتعلق
بالدراية "(1).
وعلى هذا فالنسبة بينهما التباين.
7. التفسير: هو بيان المعاني التي تستفاد من وضع العبارة، والتأويل هو
بيان المعاني التي تستفاد بطريق الإشارة. فالنسبة بينها التباين، وهذا هو المشهور
عند المتأخرين، وقد نبه إلى هذا الرأي الأخير العلامة الألوسي في مقدمة تفسيره،
حيث قال بعد أن استعرض بعض أقوال العلماء في هذا الموضوع:" وعندي أنه كان
المراد الفرق بينهما بحسب العرف، فكل
الأقوال فيه- ما سمعتها وما لم تسمعها - مخالف للعرف اليوم إذ قد تعورف من غير
نكير: أن التأويل إشارة قدسية، ومعارف سبحانية، تنكشف من سجف العبارات للسالكين،
وتنهل من سحب الغيب على قلوب العارفين، والتفسير غير ذلك. وإن كان المراد الفرق
بينهما بحسب ما يدل عليه اللفظ مطابقة، فلا أظنك في مرية من رد هذه الأقوال. أو
بوجه ما، فلا أراك ترضى إلا أن في كل كشف ارجاعا فافهم "(2). قال صلاح الخالدي:
يطيب لي أن أسجل آراء ثلاثة علماء قديم ومتأخر ومعاصر في بيان الفرق بين التفسير
والتأويل(3):
الأول: هو الإمام الراغب الأصفهاني وقد مر رأيه آنفا.
الثاني: هو الإمام أبو البقاء الكفوي قال في كتابه الكليات عن التفسير
والتأويل:" التفسير والتأويل هما واحد، وهو كشف المراد عن المشكل، وقيل
التأويل: بيان أحد محتملات اللفظ.
والتفسير بيان مراد المتكلم وقيل التأويل ما يتعلق بالدراية والتفسير ما يتعلق
بالرواية "(4).
الثالث: الأستاذ أحمد حسن فرحات، قال:" والذي نميل إليه أن التفسير
فيه معنى الكشف والبيان والتفصيل، وأن التأويل فيه معنى الرجوع والرد والصرف والسياسة
"(5).
8. إلى ما تقدم من أقوال:- " التفسير بيان لفظ لا يحتمل إلا وجها
واحدا، والتأويل توجيه لفظ متوجه إلى معان مختلفة إلى واحد منها بما ظهر من الأدلة
"(6).
(1) السيوطي، الإتقان، 2/173.
(2)
الألوسي، روح المعاني، 1/5.
(3)
الخالدي، التفسير والتأويل في القرآن الكريم، ص172.
(4)
الكفوي، الكليات، معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، ص 261.
(5)
فرحات، أحمد، التعريف بالقرآن الكريم، على الآلة الكاتبة، د.ت، ص 111.
(6)
حمزة، عمر يوسف، دراسات في أصول التفسير ومناهجه ص12-13.
هذه هي أهم الأقوال في
الفرق بين التفسير والتأويل. وهناك أقوال أخرى أعرضنا عنها مخافة التطويل وليس في
تتبعها كبير فائدة "(1)، يقول السيوطي:" والذي تميل إليه
النفس من هذه الأقوال:" هو أن التفسير ما كان راجعا إلى الرواية والتأويل ما
كان راجعا إلى الدراية، وذلك لأن التفسير معناه الكشف والبيان. والكشف عن مراد
الله -تعالى- لا تجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن بعض
أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع وخالطوا رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-، ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم.
وأما التأويل فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللفظ بالدليل والترجيح يعتمد على
الإجتهاد، ويتوصل إليه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها في لغة العرب، واستعمالها
بحسب السياق، ومعرفة الأساليب العربية واستنباط المعاني من كل ذلك "(2).
يقول الباحث: ومن النتائج
التي ظهرت لبحث الفرق بين التأويل والتفسير أن من قال بأن التفسير والتأويل مترادفان
فقولهم هذا مردود؛ لأن التفسير والتأويل مصطلحان قرآنيان ولا بد من فرق بينهما؛
لأنه لا ترادف بين كلمات القرآن، ولا يجوز استعمال أحدهما موضع الآخر.
وأرى كذلك بأن الذي ذهب إليه البعض بأنهما مترادفان، لايؤيده فقه اللغة
واستعمال ألفاظها، إذا عرفنا هذا فلسنا، مع صاحب روح المعاني الذي ينكر الفرق بين
التفسير والتأويل من الناحية اللغوية، وإن كان يفرق بينهما من الناحية العرفية،
والعرف يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة.
وأرى بأن الاختلاف بين العلماء في التفرقة
بين التفسير والتأويل يرجع إلى اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد حيث عبر كل واحد
منهم عن نوع من أنواع التفسير أو عن نوع من أنواع التأويل، ولا سبيل إلى الجزم
بواحد من هذه الأقوال؛ لأن كل مفسر يستخدم الكلمة وفق مفهوم محدد عنده، ولا مشاحة
في الاصطلاح.
" والخلاصة: في
التفريق بين التفسير والتأويل أن التفسير يعتمد على الإطلاع والمعرفة والقراءة
والرواية. أما التأويل فهو فتوحات من الله وفيوضات منه سبحانه ومواهب يهبها لمن
يشاء، فالتأويل يعتمد على الموهبة والملكة والتدبر، ثم إن فهم القرآن وفقه معانيه
واستخراج دلالاته لابد أن يكون على مرحلتين: المرحلة الأولى: تفسير القرآن
والمرحلة الثانية تأويل القرآن "(3).
(1) لاشين، د.موسى
شاهين، اللآلىء الحسان، ص322.
(2)
السيوطي، الإتقان، 2/183.
(3)
الخالدي، صلاح عبد الفتاح، تعريف الدارسين بمناهج المفسرين، دار القلم، دمشق، ط1،
1423هـ - 2002م، ص31 بتصرف .
والواقع أن العرف السائد بين العلماء أن
التفسير والتأويل بمعنى واحد حيث إن المفسرين الأقدمين في كتبهم استعملوا الكلمتين
فبعضهم سمى مؤلفه تأويلاً كما هو شأن الزمخشري والبيضاوي، وبعضهم سماه تفسيرا. والإمام
الطبري يستعمل التأويل بمعنى التفسير ولهذا سمى تفسيره " جامع البيان عن تأويل
آي القرآن ". وكان عندما يفسر الآية
يقول:" القول في تأويل الآية " فتأويل الآية في كلامه بمعنى التفسير.
وأقول كذلك: إذا أردت أن
تبين الفرق الواضح بين التفسير والتأويل فإليك، ما ورد عن عبد الله بن عباس -رضي
الله عنهما- في قوله سبحانه:- " أَيَوَدُّ
أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ"(1)، فقد روي البخاري أن
عمر بن الخطاب قال: فيم ترون هذه الآية نزلت، قالوا: الله أعلم، فغضب عمر فقال،
قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عباس:" في نفسي منها شيء يا أمير
المؤمنين" فقال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك قال ابن عباس:" ضربت
مثلا لعمل، قال عمر: أي عمل؟ قال الرجل غني يعمل بطاعة الله -عز وجل-، ثم بعث الله
له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله"(2).
وكذلك تفسيره لسورة النصر،
فقد قال ابن عباس:" كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال
لم يدخل هذا معنا؟ ولنا أبناء مثله، فقال عمر: إنه من قد علمتم، فدعاني ذات يوم
فادخلني معهم فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم، قال: ما تقولون في قول الله -تعالى-: " إِذَا
جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ "(3)، فقال بعضهم أمرنا
أن نحمد الله ونستغفره إذ نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فقال لي: أكذلك تقول يا
ابن عباس؟ فقلت لا؟ قال: فما تقول؟ قلت هو أجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلمه
له قال إذ جاء نصر الله والفتح وذلك علامة أجلك فقال عمر ما أعلم منها إلا ما تقول(4)، فالذي ذكره ابن
عباس من باب التأويل لا من باب التفسير. ومن هنا ندرك السر فيما دعا به رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-لعبد الله بن عباس-رضي الله عنه- بقوله:" اللهم فقهه
في الدين وعلمه التأويل "(5).
(1) سورة البقرة،
الآية 266.
(2)
البخاري، الصحيح 6/39 رقم الحديث 4538.
(3)
سورة النصر، الآية 1.
(4)
العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب التفسير، سورة النصر، دار
الفكر، بيروت، د.ت، 8/735.
(5)
الحاكم، المستدرك، دار المعرفة، بيروت، ط1، د.ت، 3/534. وانظر ابن ماجه، محمد
القزويني، السنن، مطبعة دار إحياء الكتاب العربي، عيسى البابي الحلبي، مصر، 1918،
1/58. وانظر ابن حنبل، أحمد، المسند، دار الفكر، بيروت، ط2، 1398هـ - 1978م،
1/314، 328، 4/225.
وهكذا أرى بأن الفرق واضح
بين التفسير والتأويل، فالتفسير مجاله ما غمض من الألفاظ وشرح ما أشكل من المعاني
والأحكام، أما التأويل فهو تفسير باطن اللفظ إذ أن التأويل مأخوذ من الأول وهو
الرجوع لعاقبة الأمر. فالتفسير راجع إلى الرواية والتأويل راجع إلى الدراية. وهكذا
أرى بأن التأويل أعم من التفسير.
ومن الممكن تلخيص الفرق بين التفسير والتأويل كما يلي:
التفسير
|
التأويل
|
1- التفسير: بيان لفظ لا يحتمل إلا وجها واحدا.
2- التفسير: توضيح ظاهر اللفظ.
3- التفسير: أكثر استعمالاً في الألفاظ ومفرداتها.
4-إذا
قيل الآية أو الحديث لا يحتمل تأويلاً، قصد بذلك: أن معناه ظاهر ومعروف.
|
1- والتأويل: توجيه لفظ يحتمل معاني مختلفة إلى
واحد منها.
2- والتأويل: تفسير باطن اللفظ.
3- والتأويل: أكثر استعمالاً في المعاني والجمل,
وأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية.
4-والتأويل صرف الآية من القرآن إلى معنى موافق
لما قبلها وبعدها، تحتمله الآية غير مخالف للكتاب والسنة عن طريق الاستنباط "(1).
|
(1) عطية الله، أحمد،
القاموس الإسلامي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة،ط1، 1383هـ -1963م،1/433 بتصرف.
31
وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول: مكانه علم التفسير والعناية به
والحاجة
إليه.
المبحث الثاني: نشأه علم التفسير وعصور تدوينه.
المبحث الثالث: أسباب اختلاف المفسرين.
المبحث الأول
مكانه علم التفسير
والعناية به والحاجة إليه
ذكر صاحب كتاب
أصول التفسير وقواعده(1) عن إياس بن معاوية أنه قال: مثل من يقرأ
القرآن ومن يعلم تفسيره أو لا يعلم، مثل قوم جاءهم كتاب من صاحب لهم ليلا وليس
عندهم مصباح فتداخلهم لمجيء الكتاب روعة لا يدرون ما فيه فإذا جاءهم المصباح عرفوا
ما فيه.
روى بن ماجة في
سننه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:" إن لله أهلين من الناس قالوا
يا رسول من هم، قال: هم أهل القرآن أهل الله وخاصته "(2).
فالمفسرون لكتاب الله هم الجديرون لأن يكونوا أهل الله وخاصته لأنهم هم أعلم الناس
بكتاب ربهم، وروي الإمام أحمد في مسنده قال-صلى الله عليه وسلم:- " من قال
في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار "(3)، فهذا بعض ما
ورد في فضائل علم التفسير وعلو شأن المفسرين.
قال الدكتور
محمد محمد أبو شهبة في كتابه المدخل لدراسة القرآن الكريم في فضل التدوين في علوم
القرآن الكريم:" وكان من الطبيعي أن يكون أول ما يدون من علوم القرآن الكريم
هو علم التفسير" إذ هو الأصل في فهم القرآن وتدبره وعليه يتوقف استنباط
الأحكام ومعرفة الحلال من الحرام"(4)، وذكر القرطبي في مقدمة
تفسيره ما جاء في فضل التفسير عن الصحابة والتابعين فمن ذلك أن علي بن أبي طالب
ذكر جابر بن عبد الله ووصفه بالعلم فقال له رجل جعلت فداءك تصف جابرا بالعلم وأنت
أنت ؟! فقال إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى:" إِنَّ
الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ"(5).(6).
(1) العك، خالد عبد الرحمن، أصول
التفسير وقواعده، دار النفائس، بيروت،ط4،1424هـ_ 2003م، ص27
(2) ابن ماجة، السنن، 1/78.
(3) ابن حنبل، أحمد، المسند، 1/233. ورواه الترمذي، السنن، 4/268.
(4) أبو شهبة، محمد، المدخل لدراسة القرآن الكريم،مصر، ط2، د.ت، ص31.
(5) سورة القصص، الآية، 85.
(6)
القرطبي، محمد أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، المكتبة الأزهرية، مصر، ط2، 1952م،
1/22.
" وقال
مجاهد: أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل. وقال الحسن: والله ما أنزل الله آية
إلا أحب أن يعلم فيم أنزلت وما يعني بها. وقال الشعبي: رحل مسروق إلى البصرة في تفسير
آية فقيل له: إن الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل إلى الشام حتى علم تفسيرها.
وقال عكرمة في قوله عز وجل:" وَمَن يَخْرُجْ مِن
بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ "(1)،
طلبت اسم هذا الرجل الذي خرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله أربع عشرة سنة حتى
وجدته. وقال ابن عبد البر هو ضمره بن حبيب. وقال ابن عباس مكثت سنتين أريد أن أسأل
عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يمنعني إلا
مهابته فسألته فقال:" هما حفصة وعائشة "(2).
وللإمام الزركشي
كلام نفيس عن القرآن وتفسيره قال رحمه الله:" فإن أول ما أعملت فيه القرائح
وعلقت به الأفكار اللواقح الفحص عن أسرار التنزيل والكشف عن حقائق التأويل الذي
تقوم به المعالم وتثبت به الدعائم فهو العصمة الواقية والنعمة الباقية، والحجة
البالغة، والدلالة الدامغة، فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب وصرفه بأبدع معنى
وأغرب أسلوب لا يستقصي معانيه فهم الخلق، ولا يحيط بوصفه على الإطلاق ذو اللسان
الطلق، فالسعيد من صرف همته إليه ووفق فكره وعزمه عليه، والموفق من وفقه الله
لتدبره واصطفاه للتذكير به وتذكر فهو يرتع منه في رياض ويكرع منه في حياض.
أندَى
على الأكبادِ مِن قَطَرِ النَدى وأَلذ
في الأجفانِ من سِنَةِ الكَرَى
يزيد على طول
التأمل بهجة كأن العيون الناظرات صياقل
وإنما يفهم بعض
معانيه، ويطلع على أسراره ومبانيه من قوي نظره، واتسع مجاله في الفكر وتدبره،
وامتد باعه ورقت طباعه. وامتثل في فنون الأدب وأحاط بلغة العرب، فله على كل كلام
سلطان و إمره، بديع إشاراته، وعجيب انتقالاته من قصص باهرة إلى مواعظ زاجرة وأمثال
سائرة وحكم زاهرة وأدلة على التوحيد ظاهرة.
هذا
وكم فيه من مزايا وفي زواياه من
خبايا "(3).
(1) سورة النساء، الآية100.
(2)
القرطبي، محمد أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، 1/22.
(3)
الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ص3-4.
قال ابن
كثير:" فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك وطلبه،
وتعلم ذلك وتعليمه كما قال تعالى:" وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ
مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ
تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً
قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ "(1).
وقال تعالى:" إِنَّ
الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً
أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ
يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ
"(2)،
فذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله المنزل عليهم وإقبالهم على
الدنيا وجمعها، واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله-تعالى-، وكان
الصحابة يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن دقائق باطن القرآن، وهكذا نرى
بأنه إن كان التفسير من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فهو حديثه-صلى الله عليه
وسلم- وهو في المرتبة الثانية من مصادر التشريع الإسلامي "(3).
والتفسير من
أجل علوم الشريعة وأرفعها قدرا، وقد اشتدت الحاجة إليه؛ لأن كل كمال ديني أو دنيوي
لا بد وأن يكون موافقا للشرع، وموافقته" تتوقف على العلم بكتاب الله-تعالى- "(4).
يقول صاحب روح
المعاني في تفسير القرآن العظيم:" وأما بيان الحاجة إليه فلأن فهم القرآن
المشتمل على الأحكام الشرعية هي مدار السعادة الأبدية وهو العروة الوثقى أمر عسير
لا يهتدي إليه إلا بتوفيق من الله حتى أن الصحابة على علو كعبهم في الفصاحة كانوا
كثيرا ما يرجعون إليه - صلى الله عليه وسلم - بالسؤال عن أشياء لم تصل أفهامهم
إليها، بل ربما ألبس عليهم الحال ففهموا غير ما أراد كما وقع لعدي بن حاتم في
الخيط الأبيض والأسود ولا شك أننا محتاجون إلى ما كانوا محتاجين إليه وزيادة. فعلم
التفسير هو رئيس جميع العلوم الدينية لكونها مأخوذة من الكتاب وهي تحتاج من حيث
الثبوت أو من حيث الاعتداد إلى علم التفسير "(5).
(1) سورة آل عمران، الآية 187.
(2) سورة آل عمران، الآية 77.
(3) ابن كثير، المتوفى 774هـ، تفسير القرآن العظيم، مكتبة دار
التراث، القاهرة، 1400هـ1980، 1/6.
(4) السيوطي، الإتقان، 2/175.
(5) الألوسي، روح المعاني، ص7.
قال
السيوطي:" وإنما احتيج إلى شروح التفاسير لأمور ثلاثة:
أحدها: كمال فضيلة المصنَّف( يعني القرآن ) فإنه لقوته العلمية
يجمع المعاني الدقيقة في اللفظ الوجيز فربما عسر فهم نص الذكر الحكيم، فقصد بالشرح
ظهور تلك المعاني الخفية.
ثانيها: عدم ذكر بعض تتمات المسألة أو شروط لها، اعتمادا على
وضوحها أو لأنها علم آخر فيحتاج الشارح لبيان المحذوف ومراتبه.
وثالثها: احتمال اللفظ لمعان متعددة كما في المجاز والاشتراك
فيحتاج الشارح إلى بيان غرض المصنف وترجيحه "(1)، ويبين بدران أبو
العينين أسباب الحاجة إلى تفسير القرآن بقوله:" الوقوف على أسباب النزول
وتوضيح ما اشتمل عليه القرآن من تشريعات بينها عليه السلام لأصحابه بفعله أو
قوله"(2).
وأرى بأننا بحاجة إلى
التفسير؛ لأجل إصلاح العقائد وتهذيب الأخلاق، وبالتفسير تتوقف معرفة هداية الله في
العبادات والمعاملات، وبالتفسير يكون التذكر والاعتبار، فالتفسير هو مفتاح الكنوز والذخائر
التي احتواها القرآن. وبتفسير القرآن الكريم ندلل على صدق الرسول -صلى الله عليه
وسلم-. ولقد أهتم العلماء بالتفسير، منهم من اهتم واعتنى بمباحث علوم القرآن،
ومنهم من جمع بين أقسام التفسير، ومنهم من اهتم بالآيات الكونية التي تشتمل على
جوانب عدة في الإعجاز القرآني. ولقد اعتنى علماء الحديث بالتفسير عناية عظيمة،
فجميع الذين رووا الحديث والذين دونوه جعلوا بابا من أبوابه يختص بالتفسير الوارد
عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهذا لا يعني أن التفسير مقتصر على ما روي عن
الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأن الثابت أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يفسر
جميع القرآن الكريم.
(1)
السيوطي: الإتقان2/174.
(2)
بدران، أبو العينين بدران، دراسات حول القرآن، مؤسسة شباب
الجامعة، الإسكندرية، ط1،( د.ت )، ص96.
المبحث
الثاني:
نشأة
علم التفسير وتطوره
لقد مر هذا العلم في نشأته وتطوره شان أي علم
مدون - بمرحلتين رئيسيتين: هما:
الأولى: مرحلة ما قبل
التدوين.
والثانية: مرحلة
التدوين.
المرحلة الأولى:
مرحلة ما قبل التدوين:
أولا: في عهد النبي-صلى الله عليه وسلم-وصحابته-رضي الله
عنهم-:
كان الصحابة- رضي الله عنهم- يفهمون القرآن
الكريم بمقتضى سليقتهم اللغوية، وبما يعايشونه من وقائع وأحداث كانت تحف بنزوله،
وكانوا يسألون النبي-صلى الله عليه وسلم-، ويصحح لبعضهم فهما خاطئا دون سؤال مثلما
روي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال لما نزلت:" الَّذِينَ
آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ "(1)،
شق ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، من منا لا يظلم نفسه؟ قال: ليس كذلك،
إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه، وهو يعظه" يَا
بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
"(2).(3).
ثانيا: في عهد
الصحابة:
وبعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع
دخول العرب في الإسلام، اشتدت الحاجة إلى تفسير القرآن الكريم، فقام الصحابة بذلك،
واشتهر منهم بالتفسير أربعه وهم:" عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود،
وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب "
ولم يستوعب تفسير الصحابة
القرآن كله، بل فسروا ما غمض على الناس فهمه وبحسب الحاجة، كما كان الاختلاف بينهم
في فهم الآيات حينئذ قليلا، لأنهم كانوا يكتفون في معظم الأحيان بالمعاني
الإجمالية، دون الخوض في التفاصيل الكثيرة المتشعبة، كذلك كانوا يقتصرون على توضيح
المعنى اللغوي للمفردات القرآنية بلفظ مختصر، أو برواية لسبب النزول، كما كان الاستنباط
العلمي للأحكام الفقهية من القرآن الكريم نادرا بينهم "(4).
(1) سورة الأنعام، الآية 82.
(2) سورة لقمان، الآية 13.
(3) البخاري، الصحيح ، كتاب التفسير،3/128، الترمذي ، السنن،باب
التفسير ، 5/ 106.
(4) شحاته، عبد الله محمود ، تاريخ القرآن و التفسير، الهيئة
المصرية العامه للكتاب ، القاهرة، مصر، 1392هـ- 1972م، ص90 -92وينظر كذلك دائرة
سفير للمعارف الإسلامية، العدد43، سنه 1990 م، ص3301.
وتتمثل مصادر الصحابة في تفسيرهم للقرآن الكريم في ثلاثة مصادر
هي:
1. القرآن الكريم نفسه.
2. السنة.
3. الاجتهاد.
مع مصدر ثانوي رابع، وهو ما عرفوه من أهل الكتاب، وإن كان ذلك
مختصراً - في معظمه-في تفسير القصص القرآني.
وقد تأسس على علم الصحابة مدارس تفسيريه كان من أشهرها:
1. مدرسة التفسير بمكة، التي قامت على علم " ابن عباس "-رضي
الله عنه-.
2. مدرسة التفسير في المدينة، التي قامت على
علم " أبي بن كعب "-رضي الله عنه-.
3. مدرسة التفسير بالعراق، وقد قامت على علم
" عبد الله بن مسعود "-رضي الله عنه-.
ثالثا: في عهد التابعين" وذلك حين بدأ من تلقوا العلم من
الصحابة ينشرون علمهم، ومنه التفسير الذي ازدادت الحاجة إليه؛ لبعد العهد عن عهد
النزول.
وكانت مصادر
التفسير عند التابعين هي المصادر التي سبق بيانها آنفا، إلا أن المرويات عن أهل
الكتاب قد ازدادت؛ نتيجة لتوسع بعض التابعين في ذلك، كما ظهر في التفاسير المروية
عنهم بعض الانتصار للاتجاهات الدينية التي ظهرت في ذلك العصر "(1).
ومن الممكن المقارنة بين تفسير الصحابة والتابعين على النحو
التالي:
التفسير في عهد الصحابة
|
التفسير في عهد التابعين
|
1. لم
يفسر القرآن جميعه، إنما فسر ما غمض منه.
2. قلة
الاختلاف في فهم معاني القرآن.
3. الاكتفاء
بالمعاني الإجمالية للآيات.
4. قلة
الخلاف المذهبي حول الآيات .
5. لم
يدون التفسير.
6. اتخذ
التفسير شكل الحديث.
7. قلة
الرجوع إلى أهل الكتاب.
|
1. ظهرت
تفاسير شاملة لأكثر آيات القرآن.
2. زاد
الخلاف نسبيا في فهم معاني القرآن، عما كان في عهد الصحابة.
3. ظهر
تفسير لكل آية وكل لفظة.
4. زاد
الخلاف المذهبي حول الآيات.
5. دون
التفسير.
6. استقل
التفسير في كتب مستقلة وبقي شكل رواية الحديث.
7. كثرة
الرجوع إلى أهل الكتاب ودخل في التفسير كثير من الإسرائيليات (2).
|
(1) دائرة سفير للمعارف الإسلامية،
العدد 43، سنة 1990م، ص3302.
(2) شحاتة، عبد الله، محمود، تاريخ
القرآن والتفسير،ص93-94 بتصرف واختصار.
المرحلة الثانية: مرحلة التدوين:
وقد بدأت هذه
المرحلة في أواخر الدولة الأموية، وأوائل الدولة العباسية، وقد استمرت حتى العصر
الحاضر، وقد مر التفسير فيها بالخطوات التالية :-
1. كان التفسير جزءاً من تدوين الحديث الشريف، إذ كان
المحدّثون الجامعون للحديث النبوي، كالبخاري ومسلم وغيرهما، يخصصون موضعا في
مصنفاتهم، بعنوان: كتاب التفسير: يوردون فيه بعض ما وصل إليهم من تفسير بأسانيدهم.
2. ثم انفصل التفسير عن علم الحديث، وأصبح
علما مستقلا، فيه مصنفات خاصة به، على حسب ترتيب المصحف الشريف، مع الاحتفاظ
بإيراد أسانيد الروايات، كما هو الحال في تفسير الطبري.
3. وبمرور الوقت أخذ المصنفون في التفسير
يختصرون الأسانيد، أو يحذفونها بالكلية، كما هو الحال في تفسيري السمرقندي المتوفي
373هـ، والبغوي المتوفي سنة 510هـ 1116م.
4. ثم خطا التفسير خطوة واسعة، استمرت حتى
الآن؛ إذ جمع المؤلفون في التفسير بين رواية التفسير النقلي " المأثور "
وإعمال العقل، مع الاستفادة من علوم الدين والعربية التي نضجت واستحكمت في الكشف
عن معاني القرآن، وإلى جانب ذلك ظهرت بعض الاتجاهات التي أرادت أن تطوع آيات القرآن
الكريم للمذاهب، والأفكار التي نشأت في العصور المتوالية، كالفلسفة، والتصوف،
وغيرها "(1).
وهكذا انتشر التفسير
بالرأي، يقول الذهبي:" وقد انتشر التفسير بالرأي بانتشار العلوم والمعارف،
واختلاف الآراء، وكثرة المذاهب، فترى النحوي مثلا لا هم له إلا الإعراب، وذكر ما
يحتمل في ذلك من أوجه، فينقل مسائل النحو وفروعه وخلافياته. وصاحب العلوم العقلية
جعل عنايته في تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة، وشبههم والرد عليها، والإنسياق في
الأمور الكونية. وصاحب التاريخ والقصص، لا يصل إلى خبر أو قصة حتى يدع الآية
جانبا، ويدخل في الأخبار والحكايات. وأصحاب التصوف قصدوا إلى الترغيب والترهيب،
واستخراج المعاني الإشارية من القرآن، والخلاصة في هذا الأمر أن صاحب كل فن أو
مذهب فسر القرآن بما يتناسب مع فنه، أو يشهد لمذهبه "(2).
هذا وقد عدد المحتسب
اتجاهات التفسير على النحو التالي: الاتجاه الأثري: وهو الاتجاه الذي يعتمد على ما
جاء في القرآن، وعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما نقل عن الصحابة والتابعين. وأشهر المفسرين
فيه ابن كثير في كتابه تفسير القرآن العظيم.
(1) دائرة سفير للمعارف الإسلامية،
العدد 43، سنة 1990م، ص 3303.
(2) الذهبي، التفسير والمفسرون، 1/148.
الاتجاه البياني: وبه يتم استخراج ما يحتويه القرآن من ثروة
بلاغية في المعاني والبيان.
الاتجاه الصوفي: وينقسم هذا الاتجاه إلى قسمين: قسم يعترف
بظاهر النصوص مع اعتقاد وجود باطن لها يقول به، وقسم ينكر الظاهر ولا يعتقد غير
المعنى الباطن.
الاتجاه العلمي: وهو الاتجاه الذي يهتم باستخلاص الحقائق
العلمية من الآيات القرآنية.
وحول التفسير العلمي
في العصر الحاضر يقول زغلول النجار:" بداية لا نستطيع أن نطلق على هذه
المرحلة أنها مرحلة تفسير للقرآن، بالشروط اللازمة للتفسير والمفسر، بل هي مرحلة
توسع المسلمون فيها في معاني الآيات الكونية، باستخدام الإشارات العلمية في هذه
الآيات، ومحاولة التوفيق بينها وبين العلوم الحديثة، والأساس الذي يقوم عليه هذا
التفسير، هو محاولة فهم دلالة الآيات الكونية، في اطار المعرفة العلمية المتاحة
للعصر "(1).
الاتجاه الفقهي: وهو
الاتجاه الذي يهتم باستنباط الأحكام الفقهية من أدلتها القرآنية مثل تفسير القرطبي
الموسوم بـ " الجامع لأحكام القرآن ".
الاتجاه الأدبي
والاجتماعي: وقد اهتم أصحاب هذا الاتجاه بإظهار ما في القرآن من سنن الكون ونظم
الاجتماع، ومعالجة مشاكل الأمم"(2).
أقول في هذا العصر: بدأ المفسرون المسلمون يدعون إلى العودة
إلى آيات القرآن، واستخراج ما فيها من كنوز لم يتوصل إليها السلف، وإبراز أن
القرآن كتاب الله الذي لا تنقضي عجائبه، وهكذا بدأ ظهور بدايات تفسير الآيات
الكونية تفسيرا علميا إشاريا، ومن أوائل من دعا إلى هذا المنهج، هو المفسر طنطاوي
جوهري(3)، حيث وضع كتابه الجواهر، الذي أشار فيه إلى لطائف القرآن
العلمية، ثم ظهر مفسرون آخرون في هذا العصر: منهم محمد أبو زهرة (4)،
ومحمد متولي الشعراوي.
(1) النجار، زغلول، السماء في القرآن،
دار المعرفة، بيروت، ط1، 2004م، ص72.
(2) المحتسب، عبد المجيد، اتجاهات
التفسير في العصر الحديث، ط1، دار الفكر، 1393هـ_1973م، ص101.
(3) ولد سنة 1287هـ-1870م، تعلم في
الأزهر، ثم في المدرسة الحكومية، مارس التعليم في دار العلوم، له مؤلفات منها:
النظام والإسلام، نهضة الأمة وحياتها، وكتاب الجواهر، وغيرها, مات سنة 1940م. أنظر
الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط5، 2002م، 3/333.
(4) هو محمد بن مصطفى أبو زهرة، من مصر،
ولد سنة 1898م، حفظ القرآن وهو صغير في الكّتاب، اهتم بالعلوم وخاصة التفسير، من مؤلفاته:
زهرة التفاسير، أصول الفقه، الأحوال الشخصية، تاريخ الديانات القديمة، العلاقات
الدولية في ظل الإسلام، مات سنة 1974م، أنظر أبو زهرة، محمد بن مصطفى، زهرة
التفاسير، دار الفكر، القاهرة، د.ت، 1/3.
تطور التفسير:
ومن خير ما ورد
في المصادر التي تتحدث عن تطور التفسير ما ورد عن الأستاذ أحمد رضا في مقدمة تفسير
" مجمع البيان "، حيث يقول :
" وفي المائة الثالثة: ممن اشتهر بالتفسير: محمد بن جرير
الطبري، صاحب التفسير الكبير الذي جمع فأوعى.
وفي المائة الرابعة: عرف الينسابوري، وأبو الحسن الأشعري إمام
أهل السنة.
وفي المائة الخامسة: عرف أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي صاحب
كتاب البيان، والجامع لكل علوم القرآن، ثم السيد الشريف الرضي الموسوي صاحب كتاب
حقائق التنزيل ودقائق التأويل وإمام الحرمين أبو المعالي الجويني.
وفي المائة السادسة: اشتهر جار الله الزمخشري صاحب الكشاف
وفي المائة السابعة: اشتهر البيضاوي، صاحب التفسير المشهور
المسمى أنوار التنزيل. والشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي، صاحب الفتوحات.
وفي المائة الثامنة: عرف الشيخ بدر الدين الزركشي، وابن كثير- إسماعيل
بن عمر القرشي- وأبو حيان الأندلسي صاحب كتابي البحر والنهر في التفسير.
وفي المائة التاسعة: عرف البقاعي صاحب : نظم الدرر في تناسب
الآي والسور " والجلال السيوطي صاحب كتاب الإتقان في علوم القرآن.
وفي المائة العاشرة: عرف الشيخ علي بن يونس النباطي صاحب مختصر
مجمع البيان.
وفي المائة الحادية عشرة:عرف الشيخ خير الدين الرملي.
وفي المائة الثانية عشرة: عرف الشيخ عبد الغني النابلسي صاحب
التحرير الحاوي في شرح تفسير البيضاوي.
وفي المائة الثالثة عشرة: أشتهر الألوسي صاحب التفسير المشهور
" روح المعاني "
وفي المائة الرابعة عشرة: اشتهر العلامة المحقق الأستاذ محمد
عبده مفتي الديار المصرية، بما كان يلقيه من دروس التفسير المفيدة على طلاب العلوم
في الجامع الأزهر بالقاهرة، وقد اقتبس دروسه هذه العلامة محمد رشيد رضا فنشرها في
مجلة المنار التي تصدر من مصر وزاد عليها فوائد مهمة في التفسير "(1)
(1) عباس، فضل حسن، إتقان البرهان في
علوم القرآن، دار الفرقان، عمان، لأردن، ط1، 1418 هـ -1997م، 2/248-250.
وقد أشار الخالدي بأن العصر الحديث بدأ بظهور الإمام محمد عبده
الذي أرسى أسس المدرسة العقلية الاجتماعية في التفسير(1) .
وفي المائة
الخامسة عشرة: اشتهر الإمام سيد قطب بمنهجه الفريد في التفسير، فكان تفسيره
الظلال، الذي شاع في الناس وانتشر، والشيخ المرحوم عبد الحميد كشك، في تفسيره
العصري السهل المسمى بـ " في رحاب التفسير " وغيرهما "(2).
(1) الخالدي، صلاح عبد الفتاح، التفسير
الموضوعي بين النظرية والتطبيق، دار النفائس، الأردن، ط1، 1418هـ-1997م، ص 25 وقد
ذكر في كتابه التفسير الموضوعي أن التفسير مر بأربع مراحل:
المرحلة الأولى: التفسير في طور التأسيس،
المرحلة الثانية: التفسير في طور التأصيل، المرحلة الثالثة: التفسير في طور
التفريغ، المرحلة الرابعة: التفسير في طور التجديد. ص19-25.
(2) الدروايش، حسين أحمد، المختصر
اليسير في مدارس التفسير، مطبعة بيت المقدس، القدس الشريف، ط1، 1424هـ - 2004م،
ص20، وقد ذكر الدراويش بأن التفسير قد مر في أربعة أطوار هي:
1. طور النشأة والنمو من البعثة النبوية
إلى سنة 100هـ .
2. وطور النضج والكمال من سنة 100هـ إلى سنة
350هـ.
3. وطور التقليد من سنة 350هـ إلى سنة 1286هـ
.
4. وطور النهضة من سنة 1286 هـ إلى الوقت
الحاضر.
يُنظر الدروايش، حسين أحمد، المختصر
اليسير في مدارس التفسير،ص46.
ومن
المفيد هنا أن نذكر أن فهد بن عبد الرحمن قد قسم مراحل التفسير إلى ست مراحل هي:
المرحلة الأولى: مرحلة الصحابة، المرحلة الثانية: مرحلة التابعين، المرحلة
الثالثة: مرحلة التدوين، المرحلة الرابعة: مرحلة التصنيف، المرحلة الخامسة: مرحلة
الانفتاح، المرحلة السادسة: المرحلة
الحديثة.
يُنظر سليمان، فهد بن عبد الرحمن، منهج
المدرسة العقلية الحديثة في التفسير، مؤسسة الرسالة، ط3، 1407هـ، ص18-27.
المبحث
الثالث
أسباب
اختلاف المفسرين
وقع اختلاف بين
المفسرين في تفسير القرآن، وكان الخلاف بين السلف أقل منه بين المفسرين اللاحقين.
وازداد الاختلاف بينهم فيما بعد، بعد نشوء الفِرق والمذاهب المختلفة بين المسلمين
حيث كانت كل فرقه أو طائفة تلجأ إلى آيات القرآن لتنصر مذهبها، وتنقض مذهب الفِرق
المخالفة لها وأدى هذا إلى تحريف الفرق المختلفة لمعاني القرآن.
وقام بعض
العلماء برصد أسباب اختلاف المفسرين وتصنيفها وبيانها والتمثيل لها وأجود من صنف
في أسباب الإختلاف الإمام ابن تيمية حيث رصدها وسجلها في رسالته (مقدمة في أصول
التفسير) ونقل تلك الأسباب الذين جاءوا بعد ابن تيمية، كالإمام الزركشي في
(البرهان في علوم القرآن)، والإمام السيوطي في (الإتقان في علوم القرآن) والدكتور
محمد حسين الذهبي في (التفسير والمفسرون) وخالد العك في (أصول التفسير وقواعده)
وغيرهم والذي يبدو لنا أن جُلَّ الاختلاف إن لم يكن كله إنما هو في التفسير
بالرأي. أما التفسير بالمنقول فلا نجد فيه خلافا، وقد نجد تعددا في كثير من
الروايات، لكن عند إنعام النظر نجدها متحدة من حيث المعنى.
قال الإمام
الشاطبي، رحمه الله:" من الخلاف مالا يعتد به وهو ضربان:
أحدهما: ما كان من الأقوال خطأ مخالفا لمقطوع به في الشريعة.
والثاني: ما كان ظاهره الخلاف وليس في الحقيقة كذلك، وأكثر ما
يقع ذلك في تفسير الكتاب والسنة، فنجد المفسرين ينقلون عن السلف في معاني ألفاظ
الكتاب أقوالا مختلفة في الظاهر، فإذا اعتبرتها وجدتها تتلاقى على العبارة كالمعنى
الواحد، والأقوال إذا أمكن اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بمقصد القائل فلا
يصح نقل الخلاف فيها "(1). وأشار ابن تيميه أن الخلاف بين الصحابة
والتابعين في التفسير قليل وأنه اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد(2).
(1) الشاطبي،
إبراهيم بن موسى اللخمي المتوفى 790 هـ، الموافقات في أصول الشريعة، دار المعرفة،
بيروت، ( د.ت ) 4/104.
(2)
ابن
تيميه، أحمد، مقدمه في أصول التفسير، دار الجيل، مصر، د.ت، ص49.
ويقول الإمام
الزركشي رحمه الله:" يكثر في معنى الآية أقوالهم واختلافهم ويحكيه المصنفون
للتفسير بعبارات متباينة الألفاظ، ويظن من لا فهم عنده أن في ذلك اختلافا فيحكيه
أقوالا، وليس كذلك، بل يكون كل واحد منهم ذكر معنى ظهر له من الآية، وإنما اقتصر
عليه لأنه أظهر عند ذلك القائل، أو لكونه أليق بحال السائل، وقد يكون بعضهم يخبر
عن الشيء بلازمه ونظيره، والآخر بمقصوده وثمرته، والكل
يؤول إلى معنى واحد غالبا، والمراد الجميع فليتفطن لذلك، ولا يفهم من
اختلاف العبارات اختلاف المرادات كما قيل:
عباراتنا
شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك
الجمال يشير
وكثيرا ما يذكر المفسرون شيئا في الآية على جهة التمثيل لما
دخل في الآية فيظن بعض الناس أنه قصر الآية على ذلك "(1).
هذا ومن
الأمثلة التي ذكرها ابن كثير في تفسيره على اختلاف التنوع بين السلف تفسيرهم لقوله
تعالى:" إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ "(2)،
فقد اختلف الصحابة والتابعون في الشغل الذي يشغل المؤمنين في الجنة ما هو؟ فقد
أورد ابن كثير بعض أقوالهم في ذلك:
"1. قال الحسن البصري: هم في شغل عما فيه أهل النار من العذاب.
2. وقال ابن عباس: هم في نعيم فرحون معجبون
به.
3. وقال ابن مسعود وسعيد بن المسيب: شغلهم في
الجنة افتضاض أبكار العذارى من الحور العين"(3).
فهذه ثلاثة أقوال مختلفة في تحديد الشغل الذي فيه المؤمنون في
الجنة لكنها مختلفة من باب التنوع وليس التضاد.
(1)
الزركشي، البرهان، 2/159- 160.
(2) سورة يس، الآية 55.
(3) ابن كثير، تفسير
القرآن العظيم، 3/552.
ذكر ابن تيمية صنفين لاختلاف التنوع بين السلف في التفسير:
الصنف الأول: التعبير عن المعنى بالألفاظ المتقاربة المتكافئة.
ولما مثل ابن تيمية للألفاظ المتكافئة المتقاربة قال:" كما قيل في اسم السيف:
الصارم والمهند، وذلك مثل أسماء الله الحسنى، وأسماء الرسول -صلى الله عليه وسلم-
وأسماء القرآن، فإن أسماء الله كلها تدل على مسمى واحد وليس دعاؤه باسم من أسمائه
الحسنى مضادا لأسمائه باسم آخر(1).
الصنف الثاني: التعبير بالجزء من باب التمثيل لا الحصر:
قال ابن تيمية:" الصنف الثاني أن يذكر كل منهم من الاسم
العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل، وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد
المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه، مثل سائل أعجمي عن مسمى لفظ الخبز؟ فأري رغيفا،
وقيل له: هذا فالإشارة إلى نوع هذا الخبز، لا إلى هذا الرغيف وحده "(2).
قد يكون اللفظ
عامًا ينطبق على أفراد وأنواع عديدة فيذكر كل عالم نوعا من أنواعه، من باب التوضيح
والتفسير والتمثيل، وهو لا يقصد أن يخصص العام بهذا النوع، ولا أن يقصر عليه، ويجب
جمع الأقوال كلها لمعرفة ما دل عليه اللفظ العام. والمثال الذي ذكره ابن تيمية
يوضح هذا. فلفظ الخبز عام ينطبق على أفراد وأمثال عديدة، منها: الرغيف والكعك
والبسكويت، والأقراص، وغيرها. ومثلَّ ابن تيمية على هذا الصنف بقوله:" مثال
ذلك: ما نقل في قوله تعالى:" ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ
اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم
مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ
"(3).
ومعلوم أن
الظالم لنفسه يتناول المضيع للواجبات والمنتهك للمحرمات، والمقتصد يتناول فاعل
الواجبات وتارك المحرمات، والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات
فالمقتصدون هم أصحاب اليمين.
(1) ابن تيمية، مقدمة في أصول التفسير،
ص38.
(2) المرجع السابق، ص43.
(3) سورة فاطر، الآية 32.
ثم إن كلا منهم
يذكر في نوع من أنواع الطاعات: كقول القائل: السابق: الذي يصلي في أول الوقت.
والمقتصد الذي يصلي في أثنائه، والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الإصفرار.
وقد يقول قائل آخر السابق والمقتصد والظالم لنفسه قد ذكرهم
الله في آخر سورة البقرة فإنه قد ذكر المحسن بالصدقة، والظالم بآكل الربا، والعادل
المقتصد بالبيع في الآيات من سورة البقرة، حيث قال تعالى:" إِن
تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ...." إلى قوله تعالى:" يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا
"(1).
والناس في الأموال
إما محسن ( سابق ) وإما عدل مقتصد، وإما ظالم، فالسابق: المحسن بأداء المستحبات مع
الواجبات، والظالم آكل الربا، أو مانع الزكاة والمقتصد الذي يؤدي الزكاة المفروضة
ولا يأكل الربا.
فكل قول: فيه
ذكر نوع دخل في الآية، ذكر لتعريف المستمع بتناول الآية له، وتنبيهه به (
بالمثال ) على نظيره فإن التعريف بالمثال قد يسهل أكثر من التعريف بالحد المطابق(2).
قبل أن أعدد
أسباب الاختلاف بين المفسرين أذكر ما رواه الشوكاني في مقدمة تفسيره عن سعيد بن
منصور في سننه وابن المنذر في كتابه الرؤية عن سفيان قال:" ليس في تفسير
القرآن اختلاف، أي: اختلاف تضاد وتناقض، إنما هو كلام جامع يراد منه هذا وهذا "(3).
(1)
سورة البقرة، الآيات 270- 278.
(2) ابن تيمية، مقدمة في أصول التفسير، ص 43-44.
(3) الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير الجامع بين فني الرواية
والدراية في علم التفسير، تحقيق سعيد محمد اللحام، دار الفكر، بيروت، ط1، 1412هـ،
1993م، 1/12.
ومن أسباب الاختلاف
بين المفسرين ما يلي:
الأول: اختلاف القراءات... كما في قوله-تعالى- "
أَوْ
لاَمَسْتُمُ النِّسَاء "(1)، فمعنى الملامسة
" الجماع "؛ أو " الجس باليد "، فالأول تفسيره لقراءة:" لامستم
".
والثاني لقراءة:" لمستم ".ولا اختلاف في الحقيقة.
الثاني: اختلاف وجوه الإعراب، وذلك كما في قوله -تعالى-:"
فَتَلَقَّى
آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ "(2).
برفع ( آدم ) وبنصب كلمات وبالعكس.
فالأول على معنى: أنه استقبلها بالأخذ والقبول.
والثاني: على
معنى:أنها استقبلته، واتصلت به.
الثالث: اختلاف اللغويين في معنى الكلمة كلفظه (مخلدون) في
قوله-تعالى-:" يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ
"(3).
قيل معناه لا يهرمون أبدا، يقال للذي أسنَّ ولم يشيب كأنه
مخلد.
وقيل: معناه أنهم على سن واحد لا يتغيرون.
الرابع: اشتراك اللفظ في معنيين فأكثر، نحو:" الصريم "
من قوله - سبحانه-:" فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ
"
(4)، فيه أربعة أقوال:
الأول: أصبحت كالليل، لأنها اسودت لما أصابها، والصريم في
اللغة الليل.
الثاني: أصبحت كالنهار، لأنها أبيضت كالحصيد، ويقال صريم الليل
والنهار.
والثالث: الصريم الرماد الأسود بلغة بعض العرب.
والرابع: أصبحت كالصريم، كالمصرومة؛ أي المقطوعة ونحو القرء؛
فإنه مشترك بين الطهر والحيض.
الخامس: احتمال: الإطلاق والتقييد، وذلك كقوله - تعالى
-:" فَمَن
لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ "(5).
اعتبر أبو حنيفة والثوري التتابع فيها بناء على
ما روي عن أبي بن كعب وابن مسعود أنهما قرأا " فصيام ثلاثة أيام
متتابعات". وجوز الأمام الشافعي التفريق، ولا يرى القراءات الشواذ حجة، وحمل
الآية على الإطلاق إذ لفظ " متتابعات " من القراءة الشاذة.
(1) سورة النساء، الآية 43.
(2) سورة البقرة، الآية 37.
(3) سورة الواقعة، الآية 17.
(4) سورة القلم، الآية 20.
(5) سورة المائدة، الآية 89.
السادس: احتمال العموم
والخصوص: وذلك كما في قوله -تعالى-:" أَمْ يَحْسُدُونَ
النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ "(1)،
قيل المراد بالناس: محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث حسدوه أن أعطاه الله سبحانه
وتعالى النبوة، وقيل المراد به: من أرسل منهم، أو آل النبي-صلى الله عليه وسلم-
فيكون على الأول خاصا، وعلى الثاني عاما.
السابع: احتمال الحقيقة والمجاز وذلك نحو قوله - تعالى -:"
وَأَنَّهُ
هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى "(2).
أي خلق سبحانه في ابن آدم الضحك المعروف، والبكاء المعروف؛
فيكون من باب الحقيقة. أو أضحك الأرض بالنبات، وأبكى السماء بالمطر، فيكون من قبيل
المجاز.
والصحيح: أنه عبارة عن الفرح والحزن؛ لأن الضحك دليل على
السرور والفرح، كما أن البكاء دليل على الحزن.
الثامن: احتمال الإضمار أو الاستقلال: فمن ذلك قوله-
تعالى-"
يُخَادِعُونَ
اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا "(3).
فقوله " يخادعون " من الخدع وهو الإخفاء والإبهام
وهو أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه، والمخادعة تقتضي المشاركة بين الجانبين
والله -سبحانه- منزه عن ذلك؛ لأنه لا يخدع، وأجيب عن ذلك بأنه من باب الإضمار؛ أي
يخادعون رسول الله. أو من الاستقلال من دون الإضمار والتقدير، فإن صورة صنيعهم مع
الله سبحانه وتعالى:" حيث يتظاهرون بالإيمان وهم كافرون، وصورة صنيع الله
معهم حيث أمر بإجراء أحكام المسلمين عليهم، وهم في الدرك الأسفل من النار، وصورة
صنيع المؤمنين معهم حيث امتثلوا أمر الله -تعالى- فيهم فاجروا ذلك عليهم، أو بأن
المفاعلة ليست على بابها فإن فاعل قد يأتي بمعنى فعل" مثل: عافاني الله،
وقاتلهم الله ".
التاسع: احتمال زيادة الكلمة وذلك نحو قوله- تعالى -:" لَا
أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ "(4).
فقيل: إن " لا " زائدة لمجرد التوكيد وتقوية الكلام.
وقيل: إنها أصلية ونافية.
والمعنى: لست أقسم بيوم القيامة على حصول البعث؛ فإنه أوضح من
أن أقسم عليه لعظمته.
(1) سورة النساء، الآية 54.
(2) سورة النجم، الآية 43.
(3) سورة البقرة، الآية 9.
(4) سورة القيامة، الآية1.
العاشر:
احتمال التقديم أو التأخير، نحو قوله -تعالى-:" إِنِّي
مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ "(1).
قيل : هذان من المقدم والمؤخر ، أي: رافعك إلي ومتوفيك
"
وقيل: المراد إني قابضك ومستوفي شخصك من الارض، من توفى المال
بمعنى: استوفاه وقبضه.
و قيل: إن المراد بالوفاة هنا:النوم؛ لأنهما أخوان، ويطلق كل
منهما على الآخر
وقيل: معناه: أجعلك كالمتوفى؛ لأنه بالرفع يشبهه.
الحادي عشر: احتمال أن يكون منسوخاً أومحكماً، وذلك في نحو
قوله -تعالى-:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ
"(2)، قيل : هي منسوخه .
وقيل: محكمه. فمن قال بالأول : جنح إلى أن المراد من " حق
تقاته " ما يحق له ، ويليق بجلاله وعظمته ، وذلك غير ممكن ، قال
-تعالى-:" وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
"(3).
والناسخ لها قوله -تعالى- :"
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ "(4)،
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت " اتقوا الله حق تقاته "
اشتد على القوم العمل، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم، وتقرحت جباههم ، فأنزل الله -تعالى-
تخفيفا على المسلمين:" فاتقوا الله ما استطعتم " فنسخت الآية الأولى.
ومن قال بعدم النسخ جنح إلى إن (حق) من حق، وحق الشيء بمعنى وجب وثبت، وهو من باب
إضافة الصفة إلى موصوفها، وأن الأصل: اتقو الله اتقاء حقا؛ أي ثابتا واجبا ، فيكون
قوله - تعالى-: " فَاتَّقُوا اللَّهَ
مَا اسْتَطَعْتُمْ "(5)، بيانا
لقوله -تعالى-:" اتقوا الله
حق تقاته " لا ناسخا والأول هو المشهور.
الثاني عشر: اختلاف
الرواية في التفسير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن السلف-رضي الله عنهم-؛ وذلك
كاختلافهم في قوله -تعالى-: " وَأَذِّن فِي
النَّاسِ بِالْحَجِّ "(6)،
قيل هو خطاب لسيدنا إبراهيم؛-عليه الصلاه والسلام- وقيل: لسيدنا محمد -صلى
الله عليه وسلم-.
والأول: هو الصحيح، كما أيد بطرق عديدة في تفسير الطبري وغيره "(7).
(1)
سورة آل عمران، الآية 55.
(2) سورة آل عمران، الآية 102.
(3) سورة الأنعام، الآية 91.
(4) سورة التغابن، الآية 16.
(5) سورة التغابن، الآية 16.
(6) سورة الحج، الآية 27.
(7) العك، خالد، أصول التفسير وقواعده، ص86-90، بتصرف واختصار.
وانظر الذهبي محمد حسين، التفسير المفسرين، 1 /133-137، بتصرف واختصار.
وأفرد الدكتور محمد بن عبد الرحمن بن صالح الشايع كتابا خاصاً
بعنوان" أسباب اختلاف المفسرين " ذكر فيه عشرين سببا أذكر منها:
1. إجمال اللفظ: والاختلاف بسبب الإجمال كثير ومن أمثلته قوله
تعالى- تعالى -:" كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ
وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ "(1)،
فقد ورد لفظ الحق في الآية مجملاً، لذا اختلف في المقصود به على أقوال. أولها:
زكاة الزروع، ثانيها: الصدقة، ثالثها: أن هذا الحق كان مفروضا قبل الزكاة ثم نسخ
بها.
2. الاختلاف في مرجع الضمير ومثاله قوله
تعالى:" يَا
أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ"(2)،
فقد اختلف في مرجع الضمير في قوله" فملاقيه" فقيل إنه عائد إلى قوله
كدحا وقيل إنه عائد إلى قوله ربك وكلاهما صحيح. والخلاف في مرجع الضمير يعود إلى
الخلاف في المعنى لا كما ذكر الكاتب.
3. احتمال وجود حذف واحتياج الكلام إلى تقدير
محذوف مثاله قوله تعالى:" أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ
هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ "(3)،
فقد اختلف في قوله سبحانه وأضله الله على علم بحسب اختلاف التقدير فقيل: على علم
من العبد بضلال نفسه، وقيل على علم من الله تعالى بضلال العبد. وهذا يرجع إلى الاختلاف
في المعنى لا كما ذكر الكاتب.
4. الاختلاف في الاستثناء في نوعه وعوده
مثاله في قوله تعالى:" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا
أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ "(4)،
فقد اختلف في عود الاستثناء في قوله إلا ما ذكيتم وفي نوعه فقيل: إنه استثناء متصل
مختص بقوله، وما أكل السبع وبناءً عليه، فيقتضي المعنى تحريم المذكورات إلا ما
أدركت ذكاته فيما أكل السبع وقيل إنه استثناءً منقطع.
5. الاختلاف في معاني الحروف: ومن أمثلته
قوله تعالى:" وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ
يَخْلُفُونَ"(5)،
فقد اختلف في تفسيرها للاختلاف في معنى من في قوله (منكم) فقيل المعنى (لجعلنا
بدلكم) فتكون (من) هنا للبدلية وقيل المعنى: ولو نشاء لقلبنا الخليقة
فجعلنا بعضكم ملائكة يخلفون من ذهب منكم، فتكون من للتبعيض، والحق أن الاختلاف في
المعنى هو الذي نشأ عنه الاختلاف في معنى من، فالإعراب فرع المعنى دائما وليس كما
قال الكاتب.
(1) سورة الأنعام، الآية 141.
(2) سورة الانشقاق، الآية 6.
(3) سورة الجاثية، الآية 23.
(4) سورة المائدة، الآية 3.
(5) سورة الزخرف، الآية 60.
6. إغفال دلالة سياق الآية مثاله قوله تعالى:"
وَطَلْحٍ
مَّنضُودٍ
"(1)،
فقد ذكر بعض المفسرين أن الطلح هو الموز، واعترض بعض أهل اللغة بأن الطلح عند
العرب هو شجر كثير الشوك، ورد الكاتب اعتراضهم لأن سياق الآيات سياق امتنان.
7. التعصب المذهبي: ومن أمثلته قوله تعالى:"
وَإِذَا
طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ
أَزْوَاجَهُنَّ
"(2)،
أشار الكاتب إلى أن الجصاص أستدل بالآية على أنه يجوز للمرأة أن تعقد على نفسها
دون ولي ولا أذن ولي. وهو خلاف قول الجمهور فقد صح في الحديث الشريف خلافه.
8. الاختلاف العقدي: مثاله قوله تعالى:"
إِنَّ
الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا
يَوْمَ الدِّينِ "(3)، أشار الكاتب إلى استدلال المعتزلة
بالآية على خلود العصاة من أهل الكبائر في النار وردَّ ذلك.
9. اختلاف المفسرين في مفهوم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام: فقد اختلف أهل الفرق في هذا، فمنهم من يرى أن الأنبياء معصومون من وقت
مولدهم، والثاني من وقت بلوغهم بحيث لا يجوز عليهم ارتكاب الكفر والكبائر قبل
النبوة، ومنهم من يرى أن العصمة بعد النبوة، ومثّل الكاتب بقوله تعالى"
عَبَسَ
وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى "(4)،
وبعد أن ذكر أقوال المفسرين انتصر لقول أهل السنة من أن العصمة بعد النبوة "(5).
ذكر إسماعيل
الكسواني في كتابه أسباب اختلاف المفسرين إلى أن من أسباب الاختلاف: التفاوت في
الفهم والثقافة "(6).
لم يكن الصحابة
-رضوان الله عليهم- في درجتهم العلمية في درجة واحدة بالنسبة لفهم معاني القرآن بل
تفاوتت مراتبهم يقول ابن قتيبة: " إن العرب لا تستوي في المعرفة بجميع ما في
القرآن من الغريب والمتشابه، بل إن بعضها يفضل في ذلك على بعض "(7)،
نتج عن هذا التفاوت في الفهم تباين واختلاف في تفسير النصوص، وبيان الأحكام وحادثة
عمر بن الخطاب في تقسيم الأراضي التي فتحت عنوة (أراضي مصر والعراق) خير شاهد
ودليل على ذلك.
(1) سورة الواقعة، الآية 29.
(2) سورة البقرة، الآية 232.
(3) سورة الانفطار، الآيتان 13-15.
(4) سورة عبس، الآيتان 1-2.
(5) عباس، فضل حسن، التفسير أساسياته
واتجاهاته، ص267-268.
(6) الكسواني، إسماعيل علي، أسباب اختلاف
المفسرين في تفسير القرآن الكريم، دار يافا العلمية، عمان، ط1، 2005م، ص153.
(7) ابن قتيبة، المسائل، لوحة4 من المخطوط
المصور في جامعة القاهرة تحت رقم 220967، ص6.
روي أن عمر بن
الخطاب -رضي الله عنه- عندما فتح سواد العراق ومصر كان يرى أن هذه الأراضي تبقى
بيد أهلها ويوضع عليها الخراج لينفق في مصالح المسلمين عامة في كل جيل وزمان،
وحجته ما فهمه من الآيات في سورة الحشر وكان يرى أن آية الأنفال في قوله تعالى:"
وَاعْلَمُواْ
أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي
الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ
"(1)،
مخصصة بآية الحشر لقوله تعالى:" وَالَّذِينَ جَاؤُوا
مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ
سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ
آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ "(2).
وآية الأنفال
والحشر متوارد على موضوع واحد -وهو الغنيمة- وأن الذين جاءوا من بعدهم معطوف على
قوله تعالى :"
مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ
"(3)،
بينما كان جمهور الصحابة يذهبون آنذاك إلى وجوب تقسيم الأراضي كما تقسم الأموال
المنقولة وحجتهم في ذلك آية الأنفال وتقسيم الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأراضي
خيبر ويرون أن آية الحشر لا علاقة لها بآية الأنفال فهما مختلفتا الموضوع فآية
الأنفال في الغنائم وهي التي يستولي عليها بالقهر والحرب، وآيات الحشر في الفيء
وهو ما يؤخذ ويستولى عليه من غير حرب ولا قتال (4).
إن هذه الاختلافات قد شدت انتباه العلماء
وأبدوا فيها ملاحظاتهم ومما لاحظه فضل حسن عباس على أسباب الاختلاف بين المفسرين:
أولا: ما فيها من تداخل، فهناك عده أسباب ترجع إلى اللغة أو
إلى الاختلاف العقدي، فالاختلاف في مفهوم عصمه الأنبياء مثلا ناشىء عن خلاف عقدي،
وكذلك الاختلاف في الاستثناء وعود الضمير يرجعان إلى المعنى.
ثانيا: قولهم إن الاختلاف في التفسير ناشىء عن الاختلاف في
الإعراب وهذا كلام غير مقبول فإن من المسلمات عند العلماء أن الإعراب فرع المعنى،
فالمعنى هو الأساس والأصل، والحركات الإعرابية تعبر عن المعنى المقبول في الآية،
لكن لا يجوز أن نقول إن الاختلاف في التفسير ناشىء عن الاختلاف في الإعراب،
فالصحيح أن اختلاف المعنى نشأ عنه اختلاف الإعراب، لا أن اختلاف الإعراب نشأ عنه
اختلاف المعنى ومن ثم اختلاف التفسير، وإليكم هذه الأمثلة:
(1) سورة الأنفال، الآية 41.
(2) سورة الحشر، الآية 10.
(3) سورة الحشر، الآية 7.
(4) الخن، مصطفى سعيد، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف
الفقهاء مؤسسة الرسالة، بيروت، (د.ت)، ص65.
1. قال تعالى:" وَاتَّبَعُواْ مَا
تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ
وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا
أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ
"(1).
للمفسرين أكثر من رأي في فهم الآية الكريمة:ذهب كثيرون إلى أن
هناك ملكين نزلا إلى الأرض يعلمان الناس السحر ونسجوا حول هذا الموضوع قصصا عجيبة.
وذهب المحققون إلى أن هذا من الإسرائيليات التي ينبغي أن ننزه القرآن عنها وقالوا:
ليس هناك ملكان نزلا. ونتج عن هذا الاختلاف في فهم المعنى اختلاف في الإعراب، فعلى
الرأي الأول تكون ( ما ) أسما موصولا والمعنى: يعلمون الناس السحر والذي أنزل على
الملكين. وعلى الرأي الثاني تكون ( ما ) نافية والمعنى: ولم ينزل على الملكين شيء.
فقد رأينا إذن أن
اختلاف الإعراب نشأ عن اختلاف المعنى وليس العكس.
2. قال تعالى:" وَجَاء رَبُّكَ
وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً "(2).
يظن كثير من الناس: أن المعنى جاء ربك، وجاء الملك صفوفا
صفوفا.وبناء عليه تكون الواو الثانية في قوله (والملك) عاطفة ولكن التحقيق الذي لا
معدل عنه:أن المعنى:جاء ربك والملك مصطفون صفوفا صفوفا، وبناء عليه تكون الواو الثانية
في قوله (والملك) حالية(3).
هذه هي الأوجه التي بواسطتها نستطيع أن نجمع بين
أقوال السلف التي تبدو متعارضة. أما ما جاء عنهم من اختلاف في التفسير ويتعذر
الجمع بينه بواحد من الأمور السابقة -وهذا أمر نادر،أو اختلاف مخفف كما يقول ابن تيميه- (4)، فطريقنا
فيه: أن ننظر فيمن نقل عنه الاختلاف فإن كان عن شخص واحد واختلفت الروايتان صحة
وضعفا، قدم الصحيح وترك ما عداه، وإن استويتا
في الصحة و عرفنا أن أحد القولين متأخر عن الآخر قدم المتأخر وترك ما عداه
.وإن لم نعرف نقدم أحدهما على الآخر ورددنا الأمر إلى ما ثبت فيه السمع، فإن لم
نجد سمعا وكان للاستدلال طريق إلى تقوية أحدهما، رجحنا ما قواه الاستدلال وتركنا
ماعداه.
وإن تعارضت الأدلة فعلينا أن نؤمن بمراد الله - تعالى- ولا
نتهجم على تعيين احد القولين، ويكون الأمر حينئذ في منزلة المجمل قبل تفصيله،
والمتشابه قبل تبيينه(5).
(1)
سورة البقرة، الآية 102.
(2)
سورة الفجر، الآية 22.
(3)
عباس، التفسير أساسيات واتجاهاته، ص269-270.
(4)
ابن تيميه، المقدمة أصول الفقه،ص12.
(5)
الذهبي، د.محمد حسين، التفسير والمفسرون، 1/138.
ويرى الزركشي(1):"
أن الاختلاف إن كان بين الصحابة وتعذر الجمع، قدم قول ابن عباس على قول غيرة. وعلل
ذلك فقال:لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشره بذلك حيث قال: "اللهم فقهه
في الدين وعلمه التأويل "(2).
يقول الباحث:
إن اختلاف المفسرين من الصحابة كان قليلاً، وكان اختلاف التابعين في الأحكام أكثر
من اختلافهم في التفسير، ثم إن هذا الاختلاف بين المفسرين هو اختلاف تنوع وتمثيل،
وليس اختلاف تضاد وتناقض، وهذا الإختلاف ناجم عن وجوه القرآن العظيم، فالقرآن
العظيم ذو وجوه تموج بالعلم موج البحر، فأينما وكيفما وحيثما تتوجه إليه يواجهك
بعلم جديد مفيد مختلف عن العلم الأول، ففيه في كل يوم جديد لكل من أراد أن يستزيد
ويستفيد.
(1) السيوطي، الإتقان 2/183.
75
الفصل الثالث
أقسام التفسير
بالجزء الثاني
تعليقات: 0
إرسال تعليق